«آيات الجهاد» في خطاب «جماعات الإرهاب» (3)

وتستمر رحلتنا التنويرية في سلسلة تحقيقات «آيات الجهاد» في خطاب «جماعات الإرهاب»، والتي نفند من خلالها المقصود الحقيقي لآيات الجهاد الواردة في القرآن الكريم، والتي أساءت استخدامها الجماعات الإرهابية، وشوهت من خلالها الصورة الحقيقية للدين الإسلامي السمح.
ونأتي إلى الحلقة الثالثة حيث نتناول الآية رقم 35 من سورة المائدة حيث يقول الله سبحانة وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة المائدة: 35
إن الجهاد الوارد في هذه الآية- كما عرفه بعض العلماء- هو «جهاد الدفع» الذي أمر الله به سبحانه وتعالى لصد أي اعتداء على المسلمين، وقد تصدرت الآية بكلمات حكيمة وبليغة ومحكمة، حيث قال تعالى في صدر الآية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ…»، فقبل أن يشرع الجهاد خص به المؤمنين دون عامة الناس، والإيمان مرتبة أعلى من الإسلام، ليس هذا فحسب، بل أمر هؤلاء المؤمنون بأن يتقوا الله أي يخافوه ويتجنبوا غضبه في أي عمل يقدموه لله ورسوله، ثم زاد في التمهيد للجهاد بعد الذي خص به المؤمنيين وهم صفوة الإسلام والمسلمين، وأمرهم بأن يبتغوا إلى الله الوسيلة وهي القربى إلى الله.
ثم يأتي أمر الجهاد معطوفاً على «الإيمان والتقوى وطلب القربى» حيث قال تعالى: «.. وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، لنكتشف رقي الغاية السماوية من الجهاد، وهو دفع ومقاومة كل من تسول له نفسه قطع الطريق إلى الله وإعاقة غاية الله ومقصوده ودينه.
الصورة الحقيقية للجهاد في الإسلام
يقول الشيخ مصطفى العطفي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق ومن علماء الأزهر الشريف إن الإسلام دين الرحمة والسماحة والعفو، ودين التآلف والوئام والتعاون والسلام والأمان. وإن حصر الإسلام بين أمرين وهما (القتال أو السلم) لا يتفق مع صحيح الإسلام، وهو ما تؤكده الآيات القرآنية وفي مقدمتها آيات الجهاد، وأنها ما وردت إلا بغرض تحقيق السلم والأمن والأمان وحقن الدماء، وأن الجهاد والقتال هو الأمر الطارئ، وأن السلم هو الصفة الدائمة للإسلام، وأن القتال ما شرع إلا لمواجهة تحديات خطيرة كانت تمسّ الدين في كيانه ووجوده.
والإسلام لم يرغب في القتال ولم يشجع عليه لذاته، كما لم يشرع القتال رغبة فيه، ولم يشرعه للسيطرة وطلب الغنيمة كما هو الحال في سائر الحروب الصليبية، كما أنه لم يكن قتال المسلمين في بداية الإسلام من أجل مجد شخصي أو قومي أو طبقي، وإنما هدف الإسلام من القتال هو الدفاع عن دين الله وإعلاء كلمة الله.
ولو نظرنا إلى الواقع التاريخي بعمق وواقعية وجدنا ان جميع معارك الإسلام كانت معارك دفاعية لرد عدوان واقعي أو محتمل الوقوع وخصوصاً في صدر الإسلام ، وفيما يلي نستعرض دوافع الجهاد وأهدافه، كما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة.
دوافع الجهاد
يوضح العطفي إن هناك دوافع وأهدافه حددها الإسلام قبل تشريع القتال والجهاد في سبيل الله وهي كالتالي:
أولاً: دفع العدوان:
حيث يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلأ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لأ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلأ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
ذهب بعض العلماء إلى أن «القتال محاولة الرجل قتل من يحاول قتله، وكونه في سبيل الله إنما هو لكون الغرض منه إقامة الدين وإعلاء كلمة التوحيد، فهو عبادة يقصد بها وجه الله تعالى دون الاستيلاء على أموال الناس وأعراضهم ، وأن القتال في الإسلام شرع للدفاع وبما يحفظ حق الانسانية المشروعة عند الفطرة السليمة، كما جعل الدفاع محدوداً بحفظ الذات، وجعل التعدي خروجاً عن الحد، وفي المقابل جعل النهي عن الاعتداء مطلق بكل أشكاله وألوانه وفي أي مكان وزمان.
ثانياً: الدفاع عن المستضعفين
قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لأ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)
وقال تعالى: (… وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلأَ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
والدفاع عن المستضعفين ونصرة المظلومين أمر مشروع تبيحه جميع الأديان السماوية، وحتى الديانات الوضعية.
ثالثاً: قتال ناكثي العهد:
يقول الله سبحانه وتعالى: (أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ …).
واختُلف العلماء حول هذه الفئة الواردة في الآية الكريمة على عدة أقوال، فقيل هم اليهود الذين نقضوا العهد وخرجوا مع الأحزاب، وهموا بإخراج الرسول من المدينة، وقيل هم مشركو قريش وأهل مكة، وقيل بدءُوكم بالقتال يوم بدر.
والآية هنا «مخصوصة» بمكان وزمان وأقوام بعينهم ولا يمكن إسقاط حكم هذه الآية على الواقع الحالي كما تزعم الجماعات الإرهابية.
رابعاً: حماية العقيدة:
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)، والآية نزلت في المشركين، فالمراد بكون الدين لله سبحانه وتعالى، هو أن لا تعبد الأصنام في بلاد المسلمين.
وقال الله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)، وتفسير الآية: انه يجب إبلاغهم بالغاء العهد، ولايجوز قتالهم قبل الابلاغ لانّ ذلك خيانة، أمّا إذا لم يحتمل الخيانة فلا يجوز نقض العهد معهم.