«آيات الجِهاد» في خِطاب «جماعات الإرهاب» (10)
تأويل مُنحرف وتفسير باطِل وأقوال مكذوبة للقَتْل باسم الدين

كتب: حماد الرمحي
آيات الجِهاد مُصطلح شرعي لكنْ الجماعات الإرهابية المُتشددة أساءت إلى المعنى الحقيقي للآيات البيّنات.
آيات الجِهاد صورة مُشْرِقَة ومُشَرِّفَة للإسلام لأنَّها تكشِف بوضوح أنَّ الإسلام دين السلام والمحبة والتسامُح.
آيات الجِهاد تُؤكد في جميع مواضِعها في القرآن الكريم أن الإسلام لا يُعْمِل السَيف إلا في حالة واحدة وهي الدِفاع عن الدين والنَفْس والعِرض.
اليوم نَستكمِل معكُم الحلقة العاشِرة من سِلسلة «آيات الجِهاد» في خِطاب «جماعات الإرهاب» حيثُ نلتقي مع التَفْسير والمَعنى الحقيقي لقول الله سبحانه وتعالى: «لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (التوبة: 88)
والمُتأمِل في البِناء اللُغَوي للآية الكريمة يُجدها جاءت بالأسلوب الإنشائي الخَبرَي، فالآية الكريمة «تُخبرُنا» ولا «تأمُرنا» وشَتان بين الخَبَر والأمْر، فالخَبَر يترَتَب عليه المَعْرِفة والإلمام بالأمْر والإقتِداء بهَدي النبي (صلي الله عليه وسلم).
أما الأمْر فيترَتب عليه الوجوب والإلزام والسَمْع والطاعة وإلا يُصبِح المؤمِن عاقاً لله ورسوله.
الآية الكريمة تُخبِرنا بحال النبي وأصحابه وقتَ الجِهاد.. و«جماعات الدم» تُسيئ تأويلها لخدَمة أغراضها
وتخبرنا الآية الكريمة بأنَّ الرسول (صلي الله عليه وسلم) جاهَدَ هو وأصحابه في زمنِ الجِهاد بالمال والنَفْس، وأن الله كافأهم بالخَيرات في الدُنيا والآخرة، وكانوا من المُفلحين لأنَّهم اتَقوا الله حتى في قِتال أعداءِ الله، فلم يخرُجوا على رسول الله ولم يُعلِنوا الجِهاد إلا بأمره، ولم يَقتلوا شَيخاً ولا امرأة ولا طِفلاً، ولم يغتَصِبوا حُرْمة أو يَهتِكوا عِرْضاً.
فوصَفَهم الله بِخَير وَصْف كما جاء في قوله تعالى: «لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (التوبة :88)
والآية الكريمة تتحدث عن كل أنواع الجِهاد الذي أمرَ به الله سبحانه وتعالى وفي مُقدمته جِهاد النَفْس ومَنْعَها من الظُلم والمَعْصية وأكْل حقوق الناس وسَفْك الدِماء، وحِفْظ حقوق وأموال وأعراض الناس، ثمّ جِهاد المال والإنفاق في سبيلِ الله، ثُمَّ يأتي في آخرها جِهاد «القِتال» المشروع وهو جِهاد الدَفْع لحِماية الدين والنَفْس والعِرض والوطن.
و جعل القرآن الكريم القِتال وهو أخِر أنواع الجِهاد مُقيداً بقيود صارِمة ومُحدداً بشروط حازِمة ولم يجعَله مُباحاً، يأتي في مُقدمَتها أنْ يكون «جِهاد دَفْع» لرَد العُدوان، وليسَ للإعتداء علي الآخرين.
كما حدَّد لقِتال الدَفْع آداباً وشُروطاً ومنها أن المُجاهِد «لا يَغدِر ولا يُفسِد ولا يَقتُل إمرأة أو شَيخًا أو طِفلا، ولا يَتبَع مُدبرا، ولا يُجهِز على جريح، ولا يُمثِل بقَتيل، ولا يُسيء إلى أسير، ولا يلطِم وجها، ولا يتعَرض لمُسالِم ولو كان مُلحداً وكافراً بالله، لأنَّ الدين كلُه لله، قال تعالي: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ » (الكافرون:6)
وقال تعالى: « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ». (99 :يس)
كما جعَل أمْرَ الجِهاد وقَراره حِكْراً وحَصْراً على وليّ الأمر وهو حاكِم الدولة، ولم يجْعَل الله سبحانه وتعالى لعامة الناس أو الجماعات الإرهابية المارِقة عن حدود الدين، لم يجْعَل لهم أمراً ولا مَشورة ولا قراراً في إتخاذ قرار الجِهاد لرَد العُدوان عن بلاد المسلمين.