
كتب: حماد الرمحي
وتستمر معكم سلسلة تحقيقات «التنوير» تحتَ عنوان «آيات الجِهاد» في خِطاب «جماعات الإرهاب» والتي نتعرض خِلالها للمعنى الحقيقي لآيات الجِهاد في القرآن الكريم.
وهي الآيات التي حَولتها الجماعات الإرهابية إلى أدلة شرعية لقتْل الأبرياء وسَفْك الدِماء وهَتْك الأعراض وإستِبَاحة الأموال، تحت زَعْم أنَّ القرآن الكريم أمرَهم بالجهاد في سبيل الله.
واعتمدت تلكَ الجماعات التكفيرية على أقوال مكذوبة وروايات لا أساس لها من الصحة، وإسرائيليات مدسوسة ومنسوبة بُهتانا وزُوراً للرسول (صلي الله عليه وسلم) وهو الأمر الذي أساءَ إلى الإسلام والمُسلمين.
آيات الجهاد تعني الدفاع عن الدين والنفس والعرض والوطن
واليوم نلتقي مع الحلقة الحادية عشر مع آية جديدة حيثُ يقول اللهُ سُبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (التوبة: 73)
والمُتأمل في الآية الكريمة ومعناها الحقيقي يجدُها صُورة مُضيئة في تاريخ الإسلام، والجِهاد في سبيلِ الله حيثُ أمرَت الآية بالجهاد في سبيلِ الله وليسَ القَتْل بإسمِ الدين.
و في تفسير الآية: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ» أي يا محمد جاهد الكفار الذين يترَبصون بالإسلام، ويُخطِطون ويُدبرون لقتالِك والإعتداء عليك، فهُنا وجبَ عليكَ جِهادِهم بالمال والنَفس والسِلاح.
وكذلِك المُنافقين الذين يترَبصون بنبي الله ويُظهرون له الود والمَحبة ويُضمرون له المَكيدة والعداء ويتآمرون عليه معَ الأعداء.
قالَ أهل التأويل من العُلماء: أختلف أهل التأويل في صِفة «الجِهاد» الذي أمَرَ اللهُ نبيَه بهِ في المُنافقين فقال بعضُهم: أمَرَه بجِهادِهم باليد واللِسان, وبِكُل ما أطاق جِهادَهم به.
وقالَ آخرون: الجِهاد المأمور به النبي هوَ جِهاد بيدِه, فإن لم يستَطع فبلسانِه, فإن لم يستطِع فبقلبِه, فإن لم يستطِع فليكفهرَّ في وجهه.
أمّا قوله تعالى: «وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ» قال العلماء أي بالكلام وليسَ باللسان وهو أشد أنواع المُجاهدة.
الإسلام جَعَل للجِهاد آداباً تكشِف الصورة المُضيئة للإسلام
ثمَّ يختَتم اللهُ سُبحانه وتعالى الآية الكريمة فيقول: «وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ليؤكد لنبيهِ أن مصير هؤلاء المُنافقين والكُفار مردود إلى الله وليسَ لأحدٍ من البَشر، وعِقابِهم جَهنم وليسَ السَيف.
أما جِهاد الدَفع أو «القِتال» وإنْ كان وارداً في الآية فلا يكون إلا دِفاعاً عن الدين والنَّفس والمال والعِرض وهو َأمر مشروع في كلِ الأديان.
وقد جَعلَ اللهُ القِتال وهو أخِر أنواع الجِهاد مُقيداً بِقيُود صَارمة ومُحدداً بِشروط حَازمة ولمْ يجعَله مُباحاً، يأتي في مُقدمتِها أن يكون لرد العُدوان، وليسَ للإعتداء علي الآخرِين.
كما حدَّد لِقتال الدفع آداباً وشروطاً ومنها أنَّ المُجاهِد «لا يَغدر ولا يفسد ولا يَقتل امرأة أو شيخًا أو طفلاً، ولا يَتبع مُدبراً، ولا يُجهز على جريح، ولا يُمثِل بقتيل، ولا يُسيء إلى أسير، ولا يلطِم وجهاً، ولا يتعرض لمُسالم ولو كان ملحداً وكافراً بالله.
ويؤكد هذه المعاني قولَ الله تعالي: «لكُمْ دِينُّكم وليَّ دينْ»، وقوله تعالى: « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ». (99 يس).