
حمل القرآن الكريم كثير من القصص التي من شأنها أن تكون عبرة من الأخطاء التي ارتكبتها الأمم السابقة وأدت في النهاية إلى هلاكها.
كان قوم نبي الله لوط عليه السلام، أحد هؤلاء الذين أهلكهم الله لاستعلائهم وتكذيبهم الرسول واستمرارهم على الفاحشة وعدم التوبة.
الدكتور محيي الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية السابق، ذكر تلك الأسباب في كتابه «الأمم بين أسباب الفناء وعوامل البقاء في ضوء القرآن الكريم».
أسباب هلاك الأمم في الفرقان
«قوم لوط فقدوا كل مقومات المروءة والحياء وفسدت فطرتهم حتى أنهم أعلنوا فعل الفاحشة وكانوا يبحثون عن الأفراد لممارسة الرذيلة والشذوذ الأخلاقي والاجتماعي.
المجتمع فشت فيه الرذيلة وماتت بينهم الفضيلة حتى أصبح من يُحاول أن يُثنيهم عن تلك المنكرات يستحق الطرد والتشريد.
قال تعالى: «وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ» (الأعراف: 82).
وقال سبحانه : «قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ» (الشعراء: 167).
نهاهم نبي الله لوط عن الرذيلة التي وقعوا فيها فتشككوا وجادلوا وتمادوا فيما هم عليه من الانحراف، فعذبهم الله ونجَّى لوطًا عليه السلام وأهله إلا امرأته، بعد أن تهكموا بتطهّره وضاقوا بدعوته ذرعًا».
وأضاف «عفيفي» في كتابه قائلًا: «ذكر القرآن الكريم أسباب فناء قوم لوط، حيث تمثلت في موقفهم من لوط عليه السلام وتكذيبهم إياه.
قال الله تعالى: «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ» (ق/ 12:14).
وقال سبحانه: «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ ۚ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ» (ص: 12 -13).
عناد القوم وتكذيب لوط أدى إلى هلاكهم
وفي توضيح لأسباب فناء قوم لوط قال الدكتور «عفيفي»: «من أسباب فنائهم أيضًا محاولتهم إخراجهم نبي الله لوط، حينما دعاهم إلى ترك إتيان الفاحشة فكان جوابهم الأمر بإخراجه هو وآله.
وكذلك كذبوا بالنذر حيث قال تعالى: «كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ» (القمر: 33)
وقال سبحانه: «وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ» (القمر: 36).
قوم لوط راودوا لوطًا عن ضيفه، حينما علموا بقدوم الأضياف من الملائكة في صورة شباب حِسان المنظر والهيئة فهرعوا إلى منزل لوط كي يُمكّنهم منهم.
قال تعالى: «وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ» (هود/ 77:79)».
وأضاف الكاتب: «سُنة الله في المكذبين الضالين الذين فسدت طباعهم، فالعذاب واقع بهم لا محالة لأن المعاصي والذنوب والفساد الأخلاقي سبب في إفناء الأمم وتدميرها.
المعاصي إذا كانت في فئة قليلة من المجتمع ومحصورة في نطاق ضيّق وفي إطار من السرّية فإنها تكون أقل وطأة وخطرًا من المعاصي المعلنة.
أنذر لوطًا قومه بعذاب الله الذي سيحل بهم إن ظلوا على تلك الحالة واستمروا في إتيانهم الفاحشة ولكن القوم لم يعبأوا بإنذاره لهم بل سخروا، ولا بد أن يتحقق وعد الله».