
من كمال الإيمان أن يحوّل المسلم ما يقرأه في القرآن من أوامر إلى واقع، يلتزم به كما يلتزم بالعبادات من صلاة وصيام، فالإسلام ليس عبادات فقط، وإنما معاملات أيضًا. ويجب أن يكون العمل من أبرز ميادين تحقيق تلك الأوامر.
لقد أمر القرآن الكريم بالإخلاص في العمل، وإخلاص النية فيه لله، فعندما يخلص المسلم عمله لله مبتغيًا مرضاته، فهو بذلك يصون المصلحة العامة للجماعة والمجتمع، فيحمي عمله من جو الفساد والانحراف نحو إرضاء مصلحته الذاتية أو استغلاله لعمله في تحقيق مصالحه الفردية، على حساب المصلحة العامة.
والإتقان في معناه العام: إحكام الشيء، وقيل إنه أداء عمل ما بإحكام دون خلل، فكل متقن عامل، وليس كل عامل متقنًا.
الإبداع وليس الإتقان فقط
لم يأمر الإسلام بإجادة العمل فقط وإنما الإبداع فيه حتى لا يظن البعض أن المطلوب منه تأدية عمله بحده الأدنى، وإنما طُلب من المسلم أن يسعى لارتقاء درجات الإتقان والإبداع في عمله، مصداقًا لقوله سبحانه وتعالى: «…يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» (القصص: 26).
فكلمة «القوي» في الآية تشير إلى الإتقان، و«الأمين» تشير إلى الانضباط الداخلي، والقوة الكامنة.
وكذلك قوله تعالى: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» (يوسف: 55)
فالعلم هنا إشارة إلى الإتقان، و«الحفيظ» إشارة واضحة إلى الانضباط الداخلى والإحسان.
كما على الفرد أن يفجر طاقته وملكاته ومهاراته في أداء وإتقان وتطوير عمله، لأن ذلك مدعاة لمحبة الله ومرضاته.
ومن الحِكم المأثورة قولهم : «لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ منه، وإنما يسألون عن جودة صنيعته».
والخبرة في العمل مهمة جدًّا لأنها مفتاح الإتقان فيه، وقد وصف الله عز وجل نفسه بأنه حكيم خبير وعليم خبير، في مواطن كثيرة من كتابه الكريم، وفي المثل العربي يُقال التجربة خير برهان، كما يقال ليس الخبر كالمعاينة.
ومن الإتقان:
-عدم التهاون في أوقات العمل، وعدم الانشغال بغير الضروري في أثناء وقت العمل.
-الدقة في اختيار التوقيت المناسب في إنجاز العمل، وترتيبه عند تنفيذه ترتيبًا منطقيًّا منظمًا.
-المبادرة في أول الوقت لأداء العمل وعدم تأخيره إلى اللحظة الأخيرة.