
التأمل في القرآن الكريم، يجعلنا نرى مجموعة كبيرة من الآيات تتحدث عن مهمة أساسية للإنسان وهي إعمار الأرض واستثمار الخيرات التي أودعها الله في الكون.
قال الله تعالى:«وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» (هود:61).
اهتم القرآن الكريم بإعمار الأرض وأولاها اهتمامًا عظيمًا، فالله سبحانه وتعالى خلق الكون وهيأ فيه الظروف المثلى للحياة المستقرة.
خلق الله الإنسان لإعمار الأرض
استخلف الله الإنسان في الكون لإعماره على الوجه الأكمل الذي يحقق به مرضاة ربه وخدمة الناس وخدمة الكون من حوله.
وخلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وأودع فيه الثروات والخيرات والإمكانات، ثم فوّض الإنسان في استغلالها من أجل إعمار الأرض.
من مقتضيات وجود الإنسان في الكون لتأمين حاجاته، سخر الله سبحانه وتعالى له ما في السماوات وما في الأرض، لمساعدته في إعمار الأرض.
قال تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الجاثية: 13).
ومن نتائج التسخير؛ الإعمار، حيث ذكر الله سبحانه وتعالى نعمه على قوم ثمود عندما خاطبهم نبيهم صالح عليه السلام.
إعمار الأرض من منظور الخطاب الإلهي
وجاءت آيات القرآن الكريم موجّهة للإنسان بشأن هذه المهمة المطلوبة منه في هذه الحياة، وعليه أن يُنفذها.
قال تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ» (إبراهيم: 32).
وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ» (لقمان: 20).
وقال سبحانه: «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (البقرة: 29).
مفهوم الخلق لم يقتصر على أداء العبادات من صوم وصلاة وحج فقط، بل لا بد من إعمار الأرض كما أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن.
عمارةَ الأرض تأخذ صورًا شتى؛ فهي تشمل الزراعة والصناعة واستخراج ما في باطنها من كنوز وثروات، كذلك تشمل إعمال العقل في كل ما يفيد هذه الإنسانية.
لكي يكتمل إعمار الأرض لا بد من العمل الدؤوب لتحقيق ذلك، وقد امتلأ القرآن بالآيات التي اقترن فيها الإيمان بالعمل الصالح، الذي يكون مردوده بالإيجاب على الفرد والمجتمع.
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» (الكهف: 30).
وأمرنا الله بالعمل؛ فقال سبحانه: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (التوبة: 105).