
ما أعظمه من دين سماوي اختتم به الله الديانات السماوية السابقة، وجعله صالحًا لكل زمان ومكان، متجددًا في ذاته، يخاطب الأحياء دومًا بلغتهم وفكرهم ومقتضيات عصرهم؛ إنه الإسلام، دين التوحيد، والرحمة والعدل والسلام.
ولكن للأسف الشديد، لقد انشغل المسلمون عن دينهم الصحيح، وانقسموا إلى مذاهب وشيع وملل، يحاول كل منها أن يحتكر الإسلام لصالحه، ويتهم غيره بالكفر والفسوق والعصيان، حتى وصل الأمر إلى حد الاقتتال، بزعم أنهم يعيدون فريضة الجهاد المعطلة، ولكن هذه المرة ضد أقرانهم من المسلمين، وليس في مواجهة أعداء الله ورسوله.
والأكثر مدعاة للأسف هو ما يكشفه لنا في الأسطر التالية، المفكر العربي، علي محمد الشرفاء الحمادي، والتي نقتبسها من كتابه المتميز «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث»، حيث يبين لنا أن الأزمة التي يعيشها الإسلام والمسلمون اليوم، ليست من صنيعة أعداء الدين الإسلامي فقط، بل يشاركهم في تفاقمها ــ بقصد أو بجهل ــ بعض الهيئات والمنظمات والمؤسسات التي تطلق على نفسها لفظ «المؤسسات الإسلامية»، وذلك لأنها تقف في وجه جميع الدعوات الجادة لتنقية الخطاب الديني مما لحقه من شوائب على مدار القرون الماضية، فأصبح يتعارض ــ بسببها ــ مع الخطاب الإلهي الواجب علينا اتّباعه لنفوز بنعيم الدنيا والآخرة.
ويطلق المفكر العربي، علي محمد الشرفاء الحمادي، في ثنايا كتابه، صرخة تحذير ليلفت أنظار الجميع إلى الوضع المأساوي الذي وصل إليه حال المسلمين هذه الأيام، فيقول: «كلما برز على الساحة بعض المفكرين الذين يَدْعون الناس إلى تحرير العقول من طغيان الروايات المفتراة على الرسول، انهالت عليهم الاتهامات من كل حدبٍ وصوب، خاصة من المؤسسات التي تُسمى بـ «الإسلامية»، وكأن لديهم دين آخر غير الذي أنزل على محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في القرآن الكريم، وهو أساس رسالة الإسلام وكأنهم يؤمنون بكتاب آخر غير القرآن الذي كلف الله رسوله الكريم بأن يتلوه على الناس ويُعَلّمَهم الكتاب والحكمة، ومقاصد الآيات الكريمة، وما توضحه في المنهج الإلهي من تشريع وقيم وأخلاق تؤسس عليها المجتمعات الإنسانية ضوابط تنظم العلاقات بين البشر، وتحدد مسئولياتهم في مجتمعاتهم، لتكون مصدرًا للتشريع والقوانين حماية للمجتمعات من ظلم الناس لبعضهم، والحفاظ على الحقوق، ومنع طغيان فئة على أخرى ليعيش الناس جميعًا في أمن وسلام.
وهكذا استطاعت الدعايات الإسرائيلية اختراق الأفهام وتغييب العقول حتى تمكنت من العرب المسلمين إلى درجة يهاجمون من ينبههم وينصحهم بعدم الاستسلام لسموم اليهود، التي تسببت بالتفرقة والحروب بين العرب، حروب أكلت الأخضر واليابس على مدى أربعة عشر قرنًا، وذلك يدل على أن اليهود استطاعوا أن يغيبوا عقول العرب المسلمين إلى درجة استهداف كتاب الله الذي نقله رسوله عن ربه، رحمةً للعالمين، وتخليصهم من الجهل والجهالة وتحريرهم من عبادة الأصنام، ودعوتهم للقراءة والعلم، ليحملوا الشعلة السماوية المتمثلة في القرآن الكريم ليضيء بها عقول البشر لتسعى في تسخير نعم الله في الأرض لصالح الإنسان وإسعاده، وترسخ بالعدل والفضيلة السلام والأمان بين الناس.
لذلك استطاعوا زرع الروايات الإسرائيلية على لسان الصحابة على أنّها أحاديث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كذبًا وافتراءً، فانطلت الخدعة على المسلمين ونجحت خططهم الجُهنمية والشريرة في صرف المسلمين عن كتَابهم الذي يهدي للتي هي أقوم تأكيدًا لقوله تعالى:
(إِنَّ هَذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ أجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء: 9).