استنباط أركان الإسلام من القرآن (2-5)

إعداد الأستاذ الفقيه:
نوح محمد عبد الله عيسى
تناولنا في المقال السابق، الجزء الأول من البحث الذي أعده الباحث الموريتاني الأستاذ الفقيه «نوح محمد عبد الله عيسى» بعنوان «أركان الإسلام بين الاختزال والاستغفال.. قراءة في كتاب (المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي»، ونستكمل في هذه المقالة الجزء الثاني من ذلك البحث الشائق، حيث يقول الباحث الموريتاني:
المطلب الثاني: أركان الإسلام بين الاختزال والاستغفال
الفرع الأول: المقاصد والوسائل
حولت الوسائل وجعلت غايات، فالتبس الأمر وغاب عن الناس أصل الدين ومقاصده العليا، تلك التي يدعو إليها القرآن، فظهر لنا من يصلون ويصومون ويحجون، لكن سلوكهم ليس من الإسلام في شيء.
ومصطلح أركان الإسلام، لا وجود له في القرآن الكريم، وهو يصادم مفهومًا قرآنيًّا واضحًا، كما يقول المفكر الكبير «علي محمد الحمادي»، حفظه الله ورعاه.
وقد يتساءل سائل: كيف ذلك؟
فأقول: العبادة على قسمين:
1- عبادة شعائرية
2- عبادة تعاملية أخلاقية
وكلتاهما، في كتاب الله، والمسلمون- وللأسف الشديد- أقبلوا على الشعائرية، وتركوا التعاملية والقيمية، وهذا لعمري الضلال البعيد.
والله جل جلاله، رسم حدودًا وفرض فرائض، هي في الكتاب العزيز، ولا يقبل الله جل جلاله العبادة الشعائرية حتى تقبل العبادة التعاملية الأخلاقية.
فقبول العبادة التعاملية الأخلاقية، شرط في قبول العبادة الشعائرية.
وهذا ما غفل عنه كثير من المغفلين والمتشدقين والمتأسلمين.
فالإسلام عندهم «صلاة وصوم وحج و………»
وأما الصدق والأمانة والعدل، فلا يبالون بهم لاختزالهم أركان الإسلام في ممارسة تعبدية وشعائر دينية، إن أقامها الفرد حسن إسلامه واستقام دينه، ولو كان سارقًا أو خائنًا أو كاذبًا، كما يقول المفكر «علي محمد الشرفاء الحمادي».
فأركان الإسلام الخمسة، لا تُرْفَع حتى تُرْفَع العبادات التعاملية.
الفرع الثاني: أمثلة وتطبيقات
1- الصلاة:
التي هي الأفعال والأقوال، المبتدأة بالتكبير، المختتمة بالتسليم، إذا لم يكن معها توقير لله، وخوف منه، واستشعار لرقابته وابتعاد عن الفواحش والمنكرات، فلا يقبلها الله جل جلاله، كما قال تعالى:
(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)
فمن لا تنهاه صلاته عن الفحشاء من زنى وكذب وظلم وزور، فهو خارج الصلاة شيطان رجيم ومارد كبير، لا معنى لصلاته ولا فائدة من عبادته.
بل إذا خلا بمحارم الله انتهكها، لا يستشعر قوله تعالى:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).. (ق: 16).
ونرى أن القرآن الكريم حدد معالم رسالة الإسلام واضحة المعالم، قال الله تعالى:
(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).. (البقرة: 177).
فمن جمع هذه الخصال السبع عشرة، حصل المطلوب وأمِن المرهوب.
وكثير تخيل أن الإسلام.. إزار مقصر، أو لحية مطولة، أو عمامة مكورة، أو سواك في الجيب..
فتحصل أن الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، لا معنى لها إذا لم تنه عنهما، فهي ليست غاية بل وسيلة للتوصل إلى غاية عظمى هي التقوى.
المصدر:
بحث بعنوان «أركان الإسلام بين الاختزال والاستغفال.. قراءة في كتاب (المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي»، من إعداد الباحث الموريتاني الأستاذ الفقيه «نوح محمد عبد الله عيسى».