استنباط أركان الإسلام من القرآن (1-5)

إعداد الأستاذ الفقيه:
نوح محمد عبد الله عيسى
لقد أرسل الله محمدًا، صلى الله عليه وسلم، برسالة خالدة هي القرآن الكريم، فيه كل شيء.. نبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، وما بينهما، فهو حبل الله المتين، وصراطه المبين، من تمسك به عز، ومن تركه ذل، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
والقرآن الكريم، هو مصدر التشريع، فكل شيء ليس في القرآن، فهو غير شرع ولا دين، إذ إن الدين قد كمل يوم قال الله تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).. (المائدة: 3).
فما لم يكن يوم نزول هذه الآية دينًا فلن يكون اليوم دينًا.
وفي الحلقات المقبلة، سنتحدث عن أركان الإسلام من خلال القرآن الكريم، وما حدث فيها من خلط الحابل بالنابل، وجعل الأمة أمة صلاة وصيام وحج بعيدًا عن الصدق والأمانة والعفة والأخلاق.
المطلب الأول: تعريف القرآن
الفرع الأول: القرآن لغةً
القرآن لغةً: مصدر قرأ وقد زيدت فيه الألف والنون، كما زيدتا في الغفران والرجحان.
وهذا المصدر، بمعنى اسم الفاعل، فمعنى القرآن قارئ، أي جامع.
ومنه قول العرب: «قرأت الماء في الحوض» إذا جمعته، فاسم فاعله قارئ، أي جامع ثمرات الكتب السماوية، التي أنزلت قبله مع زيادته عليها.
وقيل مصدر بمعنى اسم المفعول، على وزن مقروء، أي مظهر ومتلو ومبرز، ومن هذا الأخير قول العرب: «ما قرأت الناقة سلا»، أي ما أظهرت وأبرزت جنينًا من بطنها.
والهمزة أصلية فيه، فأصله مهموز، هذا عند الجمهور.
وذهب الشافعي، إلى أنه غير مهموز، وأنه مأخوذ من القرينة والاقتران، لأن آياته بعضها قرائن ببعض، أو بعضها قرائن على صدق بعض.
والتحقيق: أنه قرءان على وزن فعلان، وأما الشافعي فهو يقرأ بحرف ابن كثير المكي، وهو يقرأ القرآن كله بإسقاط الهمزة.
فالقرآن من تخفيف الهمزة بنقل حركتها إلى الساكن قبلها في نحو قوله «سلهم»، لا أنه غير مهموز أصلًا.
فالجمهور على أنه بوزن فعلان، والشافعي قال هو على وزن فعال.
الفرع الثاني: القرآن اصطلاحًا
وفي الاصطلاح، فقد اختلفت العبارات في تعريفه، فمنهم من قال:
– اللفظ المنزل على محمد، صلى الله عليه وسلم، المعجز بآياته المتعبد بتلاوته، المتواتر بنقله، الموجود بين دفتي المصحف.
فقولنا اللفظ المنزل على محمد، صلى الله عليه وسلم، احترازًا من المنزل على غيره من الأنبياء، كالتوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والصحف على إبراهيم، فلا يسمى شيء من ذلك قرآنًا.
المعجز: احترازًا من الأحاديث القدسية والنبوية.
المتعبد بتلاوته، احترازًا من الآيات المنسوخة التلاوة.
والقرآن اسم للحروف والمعاني، لا ما يزعمه كثير من أهل الكلام بأنه اسم للمعاني دون الألفاظ، لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظه من عند غير الله، وهو منكر من القول، ووجه إعجازه أنه تحدى العرب، وهم البلغاء الفصحاء، فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، فدل على أنه من عند الله، إذ لو كان من عند غير الله، لقدر الخلق على الإتيان بمثله.
والتحقيق: أن إعجازه بالعجز لا بالصرفة.
– وبعض أهل العلم لم يعرف القرآن الكريم، فجَلّ القرآن الكريم عن التعريف، الذي يحيط بأوصاف المعرف، جمعًا ومنعًا، فهو كلام الله وصفته.
المصدر:
بحث بعنوان «أركان الإسلام بين الاختزال والاستغفال.. قراءة في كتاب (المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي»، من إعداد الباحث الموريتاني الأستاذ الفقيه «نوح محمد عبد الله عيسى».