
الله سبحانه وتعالى خلق الزمان والمكان وجعل لبعضها أفضلية وحُرمة على البعض الآخر، قد تكون مكانية تنطبق على بعض الأماكن، أو زمانية تنطبق على بعض الأوقات.
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه خلق الشهور اثنا عشر شهرًا دون زيادة أو نقصان، وحدد منها أربعة أشهر حُرم كما في قوله تعالى: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (36:التوبة).
وهذه الحُرمة تشمل حُرمة القتال إلا دفاعًا وصدًا للعدوان وكذلك النهي عن ظلم النفس.
والأشهر الحرم، هي المحرم ورجب وذي القعدة، وذي الحجة (وهو الشهر الحالي وفيها تقام شعائر الحج).
قال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ…» (البقرة:217).
الاحتيال على الأشهر الحُرم بالنسيء
وتعظيم الأشهُر الحُرم منذ عهد سيدنا إبراهيم – عليه السلام -، وقد استمر العرب من بعده على هذا التحريم وتوارثوا ذلك، إلا أنهم عبثوا فيها بالنسيء، وهي حيلة جاءوا بها ليبيحوا لأنفسهم ما هو مُحرّمٌ فيها، وجاء ذكر ذلك في القرآن الكريم، قال تعالى: «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (التوبة:37).
والاحتيال على شرع الله تعالى وتعدّي حدوده وانتهاك حرماته بإيعاز من الشيطان وتزيينه لهذا العمل وذلك يؤدي إلى الزيادة في الكفر كما وصفه الله تعالى.
الالتزام بما نهى عنه القران تعظيمًا لله
قال تعالى: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ )
الظلم في كل الأوقات عظيم ولكن عندما يختص الله الأشهر الحُرم بالنهي عن الظلم وأنه فيها يكون أعظم، لأن الله يعظّم من أمره ما يشاء، ويجب الالتزام لأوامره ونواهيه.
وعلينا أن نعظم ما عظم الله.
وقد اشتملت هذه الأشهر على فضائل وعبادات ليست موجودة بغيرها، مثل الحج، فأفعال الحج ومناسكه جميعها تقع فيها، وكذلك يوم عرفة وما يتبعه من أيام عيد الأضحى وما بها من نُسك الأضحية.
أوقات عظمها الله سبحانه وتعالى بتحريم القتال فيها لتكون تدريب للنفس واختبار ولعلها تكون قدوة لباقي شهور العام. إن الإسلام دين سلام لا دين حرب، لكنه السلام العزيز، لا سلام الذل، لذلك يجنح للسلم. وما يُقِيم حربه إلا لإقرار السلام.
ولذلك كان السلام للمسلم عقيدة، يعمل بها وتنطبق على كل العصور ومختلف الأماكن، لأنه اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، وصفة ومن صفاته العُلى، يعتقد ذلك ويتعامل به مع كل الناس، مع المسلمين وغيرهم من أصحاب العقائد الأخرى.
والسلام تحية المسلم يفشيها في الناس، وذِكْرٌ يذكره بعد كل صلاة، وخُلق يتخلّق به وصفة يتصف بها، ومعيارٌ يقاس به إسلامه، فالمسلم الحق من سلم الناس، جميع الناس من لسانه ويده..
قال تعالى: «وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (الأنفال:61).