
خدعوك فقالوا: «إن اختلاف المذاهب رحمة»، ولكن في الحقيقة فإن الأمر لم يعد مجرد اختلاف فقهي أو علمي، بل صار اختلاف عقائدي وخلاف دموي، يدفع ثمنه أتباع تلك المذاهب الدينية والطوائف الإسلامية، والذين يتساقطون صرعى لتلك الخلافات الطائفية، فهذا يتهم ذاك بالإلحاد والخروج عن الدين القويم وإجماع الأمة. وحول تلك الظاهرة الدموية واللعنة التي أصابت المجتمع الإسلامي والعربي، يستعرض الباحث والمفكر الإماراتي، علي محمد الشرفاء الحمادي، في كتابه الشائق الشائك «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، أسباب وتداعيات ظهور تلك الحركات والمذاهب المنسوبة زورًا وعدوانًا إلى الإسلام، فيقول:
«إنَّ ظهور المذاهب المختلفة من سُنَّـة وشيعة وغيرهما من المذاهب، كان دافعه السياسة والتمييز وخلق طوائف متعددة، كل طائفة تستند إلى مرجعية ابتدعت روايات ما أنزل الله بها من سلطان، واختلقت أخبارًا وأحاديث منسوبة للرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ من أجل أن يجعلوها قاعدة لبناء فقه ديني خاص لكل منهم يختلف عن الطائفة الأخرى، مما أدى إلى تفرق المسلمين شيعًا وأحزابًا.
والهدف من ذلك تحقيق غاية أعداء الدين الإسلامي، في جعل الـمسلمين ينصرفون عن القرآن الكريم ليسهل عليهم تفريقهم، وزرع بذور الفتن فيما بينهم.
وهكذا أصبح حال المسلمين في تنافر وصراع وقتال إلى العصر الذي نعيشه، حين نشأت فرقٌ جديدة ترفع شعار الإسلام وتغتال قيم الحرية وحقوق الإنسان وترتكب أبشع الجرائم، بِجَز أعناق الأبرياء وتدمير القرى والمدن واغتصاب الأطفال والنساء.
يعيثون في الأرض فسادًا ولا يهتمون بحق الإنسان في الحياة، ولم يراعوا أوامر الله في عدم الاعتداء على الناس، ولم يتبعوا ما جاء في أمْر الله باتباع المنهج الإلهي الذي يدعو إليه سبحانه بقوله:
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وْلَاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الْدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرضِ إنَّ اللَّـهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ).. (القصص : ٧٧)
هذه أوامر الله للناس جميعًا، فهل اتبعت الفرق الإرهابية أمثال «داعش والإخوان والنصرة والتكفير والهجرة والسلفية والقاعدة»، وغيرهم ممن هم على شاكلتهم ما جاء في المنهج الإلهي في هذه الآية؟
وهل بمخالفة أوامر الله سبحانه، سيدخلون الجنة بأعمالهم الإجرامية؟ أم سَيُلقَون في جهنم وبئس المصير بما ارتكبوا من الفساد في الأرض عندما لبّوا دعوة الشيطان واتبعوه، حَيث يقول الله سبحانه:
(وَقالَ الشَّيطاَنُ لمّا قُضِيَ الأمرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأخلَفتُكُم وَمَا كانَ لِيَ عَليَكُم مِن سُلطانٍ إِلَّا أن دَعَوتُكُم فَاستجَبتُم لي فَلَا تَلوموني وَلوموا أنفُسَكُم ما أنا بِمُصرِخِكُم وَما أنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنّي كَفَرتُ بِما أشرَكتُمونِ مِن قَبلُ إنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ).. (إبراهيم: 22)
فلا سبيل للمسلمين من الخروج من النفق المظلم الذي عشناه ونعيشه اليوم إلا بالعودة للخطاب الإلهي ــ القرآن الكريم ــ نستمد منه النور الذي سيضيء به عقولنا وترتقي معه نفوسنا تمتلئ بالرحمة والمحبة والعدل، نستلهم من كتاب الله سُبُل السلام ونستوعب مراد الله من آياته لخلقه عيشًا هنيئًا وسعيًا مشكورًا وطاعة مقبولة وأجرًا عظيمًا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من عمل صالحًا واتقى الله واتبع هداه.