ملفات خاصة

الإرهاب الإلكتروني… انتقال الفكر المتطرف من المحلية إلى العالمية

عبدالصادق: التنظيمات الإرهابية حققت نجاحًا في توظيف التطبيقات التكنولوجية

العلاقة بين الإرهاب والتكنولوجيا علاقة تاريخية؛ فطالما لجأت الجماعات الإرهابية إلى استخدام العلم والتقدم التكنولوجي في تحقيق هدفها، إما في نشر الرعب والخوف، أو بالعمل على تحديث قدرتها على القتل.

وتأكيدًا على هذا؛ قال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عادل عبد الصادق، في حوار نشره موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث، أن التنظيمات الإرهابية حققت نجاحًا كبيرًا في توظيف التطبيقات التكنولوجية، وانعكس ذلك على قدرتها على الانتشار والتوسع والتجنيد، ضاربًا المثال بتنظيم القاعدة الذي اعتمد بشكل خاص على غرف الدردشة والمواقع الإلكترونية وبعض القنوات الإعلامية التي بثت خطاباته وساهمت في انتشاره.

وأوضح أن جماعات الإسلام السياسي قد لجأت إلى «استخدام الأجهزة الحديثة في نشر أفكارهم، وتدشين مواقع إلكترونية، والتي رأوها منصة غير قابلة للرقابة من النظم السياسية القائمة في الدول العربية والإسلامية، ومثلوا صفوف المعارضة الإسلامية غير الرسمية» ساحبين البساط من تحت قنوات الإعلام الرسمي.

وشدد على أن الجماعات الإرهابية اعتمدت أساسًا على عاملين وظفتهما في انتشارها: الاستفادة من الثورة التكنولوجية؛ والغطاء الديني للاستخدام، عبر مراحل ثلاث تبدأ بالتأثير العاطفي والوجداني مرورًا بالتأثير المعرفي ووصولًا إلى تحويل تلك القناعات والأفكار إلى أفعال على أرض الواقع.

وجاء في الحوار:

  • هل هناك علاقة بين التقدم الملحوظ في العلم والتكنولوجيا والظاهرة الإرهابية في المجال الدولي؟

– بالفعل، إن العلاقة بين التقدم التكنولوجي والإرهاب علاقة تاريخية، فطالما لجأت الجماعات الإرهابية إلى استخدام العلم والتقدم التكنولوجي في تحقيق هدفها، إما في نشر الرعب والخوف، أو بالعمل على تحديث قدرتها على القتل، واستخدمت بالفعل بعض الجماعات الإرهابية بعضًا من الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية، مثل حالة استخدام «جماعة الحقيقة» في اليابان غاز السارين في محطات مترو طوكيو عام 1995، إلى جانب استخدام المتفجرات لتعظيم القدرة في صنع القنابل وتضخيم حجم الخسائر للمستهدف، وعملت الجماعات الإرهابية على تحويل الوسائل ذات الاستخدامات المدنية إلى جوانب عسكرية، مثل حالة استخدام الطائرات المدنية كأسلحة حربية في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حدث ارتباط كبير بين الجماعات الإرهابية والتقدم في الطباعة والإعلام مثل استخدام إشارات البث الإذاعي أو التلفزيوني أو شرائط الكاسيت في بث خطابها وتدعيم نفوذها؛ فهم لا يهمهم بالضرورة كم قتل، بل كم شاهد وتأثر في محاولة للتأثير في العقول والقلوب.

  • إذن ما هو تأثير الأنترنت برأيك في الظاهرة الإرهابية، أو ما بات يعرف «بالإرهاب الإلكتروني»؟

-أصبح من ملامح الإرهاب الجديد قدرته على المزج بين البعد الأرضي إلى جانب البعد السيبراني، واكتسب قوته عبر استخدامه للتطبيقات التكنولوجية، على النحو الذي تطورت معه ظاهرة الإرهاب، سواء في التكتيكات أو الاستراتيجيات، وانعكس التطور في التطبيقات التكنولوجية على الظاهرة بدءًا من المواقع الإلكترونية وغرف الدردشة والمنتديات، ثم جيل المدونات وجيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية، وأحدث الأخير تحولًا في تعزيز قدرتها على الانتشار، وانتقالها من البعد المحلي إلى البعد الإقليمي ثم البعد العالمي.

وإلى جانب تعظيم مكاسبها في اختراق المجتمعات – خاصة الشباب – ونشر الخطاب العنيف والكراهية على أوسع مدى، وهو ما يعرف بالإرهاب الإلكتروني، والذي يعني ببساطة «العمل على توظيف الإنترنت وتطبيقاته المختلفة بغية العمل على نشر الرعب والخوف لتحقيق أهداف سياسية».

  • هل يعني ذلك، أن الإرهاب الإلكتروني يقتصر استخدامه على الفاعلين من غير الدول فقط من قبل الحركات الإسلامية المتطرفة؟

– في الحقيقة، إن التيار الثقافي الغربي يركز على توصيف ما تقوم به حركات الإسلام السياسي العنيف على أنه إرهاب إلكتروني، وعلى الرغم من أن هناك حركات غير إسلامية تمارس إرهابًا وتحريضًا عبر الإنترنت، وتصاعد حركات اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف أو الحركات العنصرية الأخرى، ومن ثم فإن ذلك يكشف عن ازدواجية في المعايير في التركيز على ما تقوم به الحركات الإسلامية المتطرفة فقط.

ومن جهة أخرى، فإن هناك دولًا تمارس إرهاًبا إلكترونيًا، إما عبر ما تقوم به من تجسس على مواطنيها أو على مواطني دول أخرى، أو بدعم عمليات القرصنة والاختراق ضد دول أخرى أو بشن حرب نفسية، ونشر الأخبار الزائفة عبر الشبكات الاجتماعية، وهو الأمر الذي تكون له تأثيرات في توجهات الرأي العام، وهناك دول مثل إيران تقوم بتدشين حسابات على التواصل الاجتماعي بغية نشر الفتنة والكراهية بين السنة والشيعة في دول الخليج لزعزعة استقرارها، وتقوم بدعم المليشيات المسلحة إعلاميًا، وتقوم بتأمين اتصالاتهم عبر الإنترنت وتدربهم على ذلك، مثل الدعم الذي قدمته لحزب الله في تدشين شبكة اتصالات خاصة به والدعم الذي قدمته إلى الحوثيين في اليمن للسيطرة على الإنترنت، إلى جانب دعم مليشيات الحشد الشعبي في العراق.

  • ما هي حدود الاشتباك بين ما يعرف بالجريمة الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني.. وما هو الفرق بينهما؟

– ما يميز بين كلا النمطين أن من يمارس الإرهاب الإلكتروني يبحث عن التأثير السياسي في الأخير، بينما يبحث من يمارس الجريمة الإلكترونية عن تحقيق مكاسب مالية فقط، وهذا لا يعني أنهما لا يلتقيان ولكن قد يحدث التحالف بينهما؛ أي بين من يبحث عن السياسة وبين من يبحث عن المال عبر التوظيف المتبادل، وهو الأمر الذي يكون له أشد الأثر في تطوير قدرات الجماعات الإرهابية والإجرامية في ذات الوقت.

  • وأين يكمن الخلاف بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش في تلك الاستخدامات؟

– يمكن ملاحظة تطور أنشطة وتأثير تنظيم القاعدة اعتمادا بشكل أساسي على غرف الدردشة والمواقع الإلكترونية، والتي تطورت بشكل كبير وبدأت من 13 موقع إلكتروني عام 2001 الى ما يقارب 600 ألف موقع إلكتروني في عام 2013، وهذا التضخم لم يكشف بالضرورة عن النشاط الفعلي لأعضاء التنظيم، بل إلى تحولها إلى ساحة للتنافس الاستخباراتي بين العديد من الدول، وكانت المفارقة أن ما يزيد عن 70% من تلك المواقع كانت باستضافة خوادم أمريكية، ويعد تنظيم القاعدة من الجيل الثاني من الجماعات الإرهابية، والذي هدف إلى قيادة حرب عالمية ضد ما أسماه “التحالف الصليبي الغربي” ضد الإسلام.

وعلى الرغم من اقتناع قادة التنظيم بأهمية الإعلام في حربهم ضد الغرب وفق زعيمهم (أسامة بن لادن)، إلا أن تأثيره الإعلامي زاد انتشاره حينها في قيام قنوات فضائية بنشر خطابهم المتطرف مثل قناة الجزيرة، بينما ارتبط ظهور الجيل الثالث من الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم داعش والنصرة وغيرها، بظهور الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية، والتي انعكست بشكل مؤثر في توظيف تلك الثورة الجديدة في نشر الخطاب والتأثير في الجمهور المحلي والمحتمل لها إلى جانب جمهور الأعداء من وجهة نظر تلك الجماعات الإرهابية.

  • وفقًا لما ذكرت دكتور عادل، هل ترى هناك فارقاً بين استخدام جماعات الإسلام السياسي للإنترنت والشبكات الاجتماعية مقارنة بالجماعات الإرهابية العنيفة المتشددة؟

– في الواقع، على الرغم من الاعتقاد الشائع بأن الأصوليين هم الأكثر عداوة للحداثة ومعطيات الحضارة الغربية الحديثة، إلا أن التجربة أثبتت أنهم كانوا أكثر قدرة على التبني لها واستخدامها في تحقيق أهدافهم، فقد لجأت جماعات الإسلام السياسي إلى استخدام الأجهزة الحديثة في نشر أفكارها، وتدشين مواقع إلكترونية، ورأت فيها منصة غير قابلة للرقابة من النظم السياسية القائمة في الدول العربية والإسلامية، ومثلوا صفوف المعارضة الإسلامية غير الرسمية، ومن ثم كانت جماعات الإسلام السياسي، عاجزة عن التغيير على الأرض مقابل قدرتها في نشر خطابها بحرية عبر الإنترنت.

ولكن بعد ما حدث فيما بات يعرف بـ«الربيع العربي» انتقلوا من المعارضة والهامش إلى السلطة، وهو الأمر الذي أحدث شرخًا كبيرًا بين الإسلاميين بين الاعتدال والأكثر تشدّدًا، وبين ذي الطابع السياسي والآخر ذي الطابع العنيف، وبين المعارضة المدنية والأخرى ذات الطبيعة الإسلامية، وظهرت بقوة التنظيمات الجهادية العنيفة، والتي تسعى إلى التغيير بالقوة المسلحة كبديل عن الاعتقاد بالتغير السلمي. ودفعت عملية فشل الإسلاميين في تطبيق الشريعة بعد وصولهم إلى السلطة، وإلى جانب الفشل السياسي في إدارة الدولة والحكم، وارتباطهم بمشروعات خارجية لمستقبل المنطقة بعيدًا عن الدولة الوطنية.

ومن ثم، فإن العجز عن استخدام الشبكات الاجتماعية في نشر التسامح والإسلام المعتدل والقيم الصحيحة من قبل حركات الإسلام السياسي والدعوي المعتدل، أدى إلى اختطاف الشباب من قبل الجماعات الأكثر تطرفا لتبني خطاب العنف، وإفساح الطريق لهم للسيطرة على الساحة الإعلامية البديلة.

  • كيف استخدمت تلك الجماعات الإرهابية العنيفة الشبكات الاجتماعية في نشر خطابها العنيف؟

– أصبح الإنترنت يستخدم من قبل الجماعات الإرهابية كوسيلة للتخطيط والتنسيق والتمويل والتجنيد وجمع المعلومات ونشر الشائعات والحرب النفسية، وتحولت منصةً إعلامية مجانية وسريعة الانتشار ورخيصة التكلفة إلى جانب قدرتها على التشبيك عبر تحول المجتمع الافتراضي الذي تمثله من مجموعة قليلة من الأتباع متوزعه جغرافيا لتشكل مجتمعًا خاصًا بها لدية القدرة على الالتحام والتواصل الدائم، وهو الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع غير محدد الأبعاد، وهو ما كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة تلك المجموعات وحجم انتشارها وتأثيرها، وهو ما ظهر في لعب شبكات التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في نمو حجم الظاهرة الإرهابية، وفي تبلور ظاهرة المقاتلين الأجانب في الصراعات المحلية، سواء عبر توفير المعلومات حول كيفية المشاركة أو الدعم المادي للراغبين في الانضمام، وتوثيق دورهم في تطورات الصراع وقت حدوثها، ويتم استخدام حسابات لشخصيات دينية – قد تكون مزيفه لإقناع المتابعين بالجهاد، وهو ما يمثل دعما روحيًا ودينيًا لتلك التنظيمات. إلى جانب القدرة على سحب البساط من المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، وليظهر بذلك قادة دينيون جدد لا ينتمون فكريًا أو تعليميًا بالضرورة مع (الإسلام الرسمي) أو (الإسلام الشعبي) أو حتى (المؤسسات الدينية القائمة)، وهو ما جعل هذا الخطاب الديني يغلب علية الفردانية والميكيافيلية والانتقامية والتعصب بحثًا عن التأثير والانتشار فقط.

  • ما هي برأيك مصادر تطور القدرات الإلكترونية للجماعات الإرهابية وبخاصة جيلها الجديد؟

– أتاحت البيئة الإلكترونية أساليب جديدة وتكتيكات ساهمت في تعزيز القدرات الإلكترونية للتنظيمات الجهادية في مقابل الأجهزة الأمنية وفي مواجهة أعدائها وفي مخاطبة مؤيديها وفي مخاطبة الكتلة الصامتة من مستخدمي تلك التطبيقات الإلكترونية من الشباب، وذلك بالاعتماد على عاملين أساسيين: أولهما، الاستفادة من الثورة التكنولوجية، وثانيهما: الغطاء الديني للاستخدام، والذي يعمل على الامتزاج بين القوة المادية والقوة المعنوية الروحية، والتي تشكل جناحين أساسيين لنجاح التنظيمات الجهادية في استخدام الشبكات الاجتماعية.

وأصبحت تستقي مصادر قوتها عبر وسائل متعددةـ منها ما يتعلق بتنمية معارفها الذاتية بالتقنية أو باكتساب عناصر محترفة في مجال التأمين والاختراق والتشفير أو بضم عناصر من القراصنة مقابل المال أو باستخدام برامج للحماية المتوافرة والمتداولة، أو عبر استخدام الأنترنت الخفي أو باستخدام الألعاب الإلكترونية أو باستخدام اتصالات عبر الأقمار الصناعية. ويتم ذلك بدعم من مؤيدين للتنظيمات الإرهابية، سواء في محل الصراع أو من مؤيدين عابرين للحدود، سواء أكانوا دولًا أم أفرادًا وسواء أكان مشاركة فعلية ميدانية أم عبر المجال الإلكتروني.

  • ما هي استراتيجيات التنظيمات الإرهابية وبخاصة تنظيم داعش في التجنيد بين الشباب؟

– تمر عملية التجنيد للانضمام للجماعات المتطرفة عبر الشبكات الاجتماعية وسط الكتلة الحرجة من الشباب الذين هم أكثر استخداما لها، والأكثر تعرضا من جهة أخرى، للخطاب المتطرف عبر الشبكات الاجتماعية، في ظل بيئة حاضنة تتمثل في المشكلات التي يعاني منها الشباب من غياب الثقافة الدينية والمعاناة من الفقر والبطالة، وغياب دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية وتراجع دور الدولة، بل وانهيارها لصالح مليشيات مسلحة في دول أخرى.

وعلى أية حال، تتم عملية التجنيد عبر ثلاث مراحل تتعلق الأولى بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والنعرة والغيرة الدينية بحجة الدفاع عن القيم المقدسة الدينية أو البحث عن عالم مثالي لا يمت للواقع بصلة كفكرة «الخلافة» أو «المدينة الفاضلة»، ويتم توظيف النصوص الدينية عبر كافة الوسائط الإعلامية.

وفي المرحلة الثانية، ترتبط بالتأثير المعرفي عن طريق دور الشبكات الاجتماعية في نقل المعلومات والبيانات التي تعبر فقط عن وجهة نظر الجماعات الجهادية. وفي تلك المرحلة، تتحول الصفحات والحسابات على شبكات التواصل إلى بوق للتطرف ونقل وجهات النظر الأحادية تجاه الآخر.

وتأتي المرحلة الثالثة، والتي هي أخطر المراحل، لأنها تعمل على تحويل الفكر إلى سلوك عن طريق التغيير السلوكي لدى المنتمي، وأن يتحول من مجرد متعاطف إلى فاعل والمشاركة الفعلية في التغيير بالقوة والعنف، وهو ما يظهر في التغيير السلوكي، وهي مرحلة تتم عبر المشاركة في أرض القتال الفعلي أو القيام بعمليات انتحارية بعد عملية التعرض لغسيل المخ تحت دعوى رفعة الجماعة والانتقال إلى العالم الأفضل.

  • بالتأكيد، إن تغير طبيعة التهديد وخصائصه غير المسبوقة تفرض تحديات كذلك في مواجهة تأثيرات تلك الجماعات الإرهابية عبر الشبكات الاجتماعية، فما هي برأيك أبرز تلك التحديات التي تعوق تلك المعركة ضدها؟

– إن أردت أن تقود حربًا ضد تلك الجماعات الإرهابية، سواء على مستوى الفكر أو الممارسة عبر الشبكات الاجتماعية، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عدد من التحديات، والتي من أبرزها، أولًا، تحدي ديناميكية المواجهة المتمثلة في ضرورة تنوع الأسلوب وجودته على اعتبار أنها بالأساس حرب عقول يعلو بها الجانب الإبداعي عن المعرفي والجانب الفردي عن الجانب الجماعي وتسيطر عليها القدرة على المبادأة عن الاستعداد.

وثانيًا: إن المتابع لنشاط الحركات الجهادية يلاحظ أنها تواكب حجم التغييرات والمهددات لأمن تواصلهم، وهو ما يجعلهم يقظين في محاولات التخفي في معارك الكر والفر بينها وبين الأجهزة الأمنية التي تتعقبها.

وثالثًا: اتساع نطاق المواجهة ما بين الولاية القضائية الداخلية للدولة والخارج في فضاء فسيح يصعب السيطرة عليه بشكل كامل وسهل الوصول والاتصال ما بين الداخل والخارج.

ورابعًا: ساهمت البيئة السرية للخصوصية في تحفيز نمو النشاط الإرهابي وبخاصة بعد قيام الشركات التكنولوجية بتشفير الاتصالات والرسائل لتحافظ على الخصوصية، إلا أنها تشكل عقبة في التتبع والرقابة من قبل الأجهزة الأمنية.

وخامسًا: على الرغم من فتح شركات التواصل الاجتماعي الباب أمام تلقي طلبات الحصول على المعلومات الشخصية من الحكومات، إلا أنها سياسة غير فعالة، لأنها غير ملزمة بتلبية جميع الطلبات المقدمة من جانب الدول.

وسادسًا: أدت عملية الإحساس بالخطر من النشاط الإلكتروني الظاهري إلى هروب تلك الجمعات المتطرفة إلى الأنترنت العميق أو الشبكة السرية، والتي لا يمثل الأنترنت العلني بها سوى 4% من حجم الإنترنت، وهو بيئة خصبة للجريمة المنظمة والإرهابية، وتصعب القدرة على مراقبتها أو تحليل نتائجها.

وسابعًا: التحدي التشريعي بضعف قدرة التشريعات الحالية على مواكبة التطورات في الجرائم المستحدثة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعدم تبني قانون لمواجهة جرائم الأنترنت الى جانب ضعف التعاون الدولي.

  • كيف يمكن للمجتمعات والدول والفاعلين من المؤسسات الثقافية أن تشن مواجهة ذكية للتطرف تتسم بالعمق والاستدامة عبر الشبكات الاجتماعية؟

– تحتاج مواجهة الاستخدام العنيف لشبكات التواصل الاجتماعي إلى استراتيجية شاملة، تأخذ في اعتبارها معالجة كافة الدوافع لتبني الفكر المتطرف، وتفريغ البيئة الحاضنة له، ويأتي إلى جانب ذلك أهمية تحديث الإطار القانوني على النحو الذي يعمل على تنظيم عملية الاستخدام للشبكات الاجتماعية وحماية المجتمع من مخاطرها المادية والمعنوية بما يعزز الثقة والمنفعة للمجتمع، وعلى الرغم من أهمية المواجهة التقنية والأمنية، إما عن طريق الرقابة أو التجسس أو الحجب، إلا أنها لن تصبح فاعلة، والمواجهة الفكرية والثقافة هي الأقوى، لأنها ترتكز على مواجهة الفكر بالفكر في معركة ناعمة، بينما يتم استخدام القوة العسكرية المادية في تحطيم البنية الأساسية للتطرف والإرهاب.

وعلى المستوى المحلي، على الدولة أن تعمل على مواجهة الأسباب الدافعة إلى لجوء الشباب للتطرف والإرهاب مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر، وأهمية دور وسائل الإعلام العامة والخاصة في تبني الموضوعية والحيادية بشكل لا يجعلها عرضة لنشر التطرف والسطحية ولا تترك الساحة أمام الشبكات الاجتماعية في التأثير في الكتلة الحرجة من الشباب داخل المجتمع.

وأهمية دور المجتمع المدني في رفع الوعي بالمخاطر بنشر التطرف الى جانب أهمية دور المؤسسات الدينية بتحديث خطابها واستخدام الشبكات الاجتماعية، لنشر ثقافة التسامح والحوار وتصحيح المفاهيم، وأن تقوم مؤسسات الدولة الثقافية والدينية بخطة شاملة للدفاع عن القيم الأصيلة في مواجهة طوفان الاختراق للقيم الغريبة والمدمرة في ذات الوقت للمجتمع، والعمل على فتح الآفاق أمام الشباب لتوظيف تلك الثورة المعلوماتية على نحو يخدم التنمية ويشجع على الابتكار والإبداع.

ولا ينفصل ذلك عن أهمية دور المجتمع الدولي في مواجهة تلك الظاهرة، وعن ضرورة تفعيل ميثاق الأمم المتحدة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والسعي إلى قيام المجتمع الدولي بالضغط على الشركات التكنولوجية لتمكين الأجهزة الأمنية من سهولة الدخول على قواعد البيانات الخاصة بها لتعقب المجرمين والإرهابيين والحصول على التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لذلك.

  • بعد الهزيمة التي مني بها تنظيم داعش على الارض… كيف ترى مستقبل التطرف بعد داعش عبر الشبكات الاجتماعية، هل سينتهي إلكترونيا كذلك أم سينشط مرة أخرى؟

– لا شك في أن خسارة تنظيم داعش ما يزيد على 95% من الأراضي التي استحوذ عليها في سوريا والعراق تشكل بداية الانحسار الميداني للتنظيم على الأرض، إلا أن التنظيم الإرهابي وغيره ربما يتجهون إلى مناطق أخرى للبحث عن أرض جديدة، وهي تلك الفكرة التي فعلها من قبل تنظيم القاعدة بعد فشله في إقامة دولته في أفغانستان اتجه إلى العراق، أو من خلال سعيه من جهة أخرى إلى العمل على إحياء الخلايا النائمة في مناطق أخرى، سواء في مصر أو ليبيا أو اليمن أو في منطقة غرب إفريقيا، إلا أن ذلك لن يعد سندًا استراتيجيًا للتنظيم، بل مدعاة لنقل الحرب ضده في تلك الجيوب الضيقة التي يحاول أن ينشط بها، وبخاصة مع التوافق الدولي الآن ضده.

وهو ما يكشف أن الانحسار الميداني على الأرض سيصاحبه كذلك انحسار في الفضاء الإلكتروني لعدة أسباب، لعل أهمها هو التغير الحادث في سياسات شركات الشبكات الاجتماعية في مكافحة التطرف والعنف، وقيامها بتشكيل مجلس عالمي لمكافحة التطرف، ومن جهة أخرى أصبحت تلك الشركات في مواجهة ضغط مستمر من الحكومات لتعزيز سياستها لمكافحة التطرف، وأن عملية التقدم من جانب العديد من الدول في التنظيم لاستخدامات الشبكات الاجتماعية عبر تبني قوانين لمكافحة الإرهاب والجريمة الإلكترونية سيعمل على الحد من النشاط الإرهابي، ومن جهة ثالثة، انتباه العديد من مؤسسات الدولة الثقافية في تبني سياسات نشطة للترويج للفكر المعتدل والتسامح سيعمل على سد الثغرة في ترك الساحة فارغة أمام التيار المتطرف.

ومما لا شك فيه، أن أية استراتيجية ناجحة لمكافحة الإرهاب والتطرف يجب أن ترتكز على العمل على الموازنة بين الحرية والأمن، وبين استخدام القوة الخشنة والقوة الناعمة، وأن ترتكز على التعاون بين الداخل والخارج. وأن تنتقل تلك الاستراتيجية من بعدها الوطني إلى البعد التحالفي – الدولي، في ظل معركة عابرة للحدود وفي معركة حروب الأفكار للاستحواذ على العقول والقلوب بين التطرف والاعتدال وبين الأخيار والأشرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى