أركان الإسلام

الهدف الحقيقي من «الإسراء والمعراج»

المعجزة خاصة بالنبي وليس من المطلوب البحث في تفاصيلها

في مثل هذه الأيام من كل عام هجري، تحل علينا ذكرى ليلة الإسراء والمعراج، التي توافق ليلة السابع والعشرين من شهر رجب.

وكل عام يتجدد نفس الحديث حول مشروعية الاحتفال بهذه الذكرى، وهل حدثت بالجسد أم بالروح فقط؟.. وغيرها من الأسئلة.

وفي الحقيقة فإن كثرة اللّغط حول الإسراء والمعراج أمر صار مزعجًا ويترتب عليه تشتت فِكر المسلمين خاصةً البُسطاء ويشغلهم عن التأمل في الحكمة الإلهية من تلك المعجزة.

فالإسراء حدث بالفعل وهو رحلة أقرّ الله بكينونتها وانطلاقها من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم تلاها المعراج للسماوات العُلى وسدرة المنتهى.

ولا داعي لأن تشغلنا تفاصيل تلك الرحلة الإلهية فالمفروض أن ننشغل بالدروس المستفادة منها.

ولعل من أهم الأمور التي يجب لفْت الانتباه إليها عند الحديث عن تلك الذكرى، هو ما قاله المفكر السوري المهندس عدنان الرفاعي، في إحدى اللقاءات التليفزيونية من أن معجزة الإسراء والمعراج خاصة بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وليست معجزة للعامة يبحثون في تفاصيلها.

وقال إن الله قد ذكر ذلك صراحةً في الآية الأولى من سورة الإسراء: « سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَاۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».

وهكذا فالمعني بالمعجزة هو الرسول (عليه الصلاة والسلام) نفسه، والهدف منها هو أن يرى من آيات ربه الكبرى.

الهدف الحقيقي من رحلة الإسراء والمعراج

فلا داعي لأن نغرق في تفاصيل ما حدث في تلك الرحلة الربَّانية، ونتقوَّل على الله ورسوله ما لم يثبت حدوثه، بل تضمّنته فقط مرويات منسوبة زورًا للرسول فيما يُسمى بالأحاديث النبوية.

فعندما ذكر الله واقعة المعراج في القرآن الكريم، من خلال الآيات الواردة بسورة النّجم، كان الخطاب الإلهي حاسمًا للعديد من القضايا الجِدالية التي نغرق فيها حاليًا.

ففي البداية قال تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)».

أي أن كل ما يقوله الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويُبلّغه لأصحابه هو وحي من الله، متمثلًا في القرآن الكريم.

ثم أكد الله ذلك المعنى وربطه بالمعراج، فقال تعالى: «عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18)».

وانتقل الخطاب الإلهي واصفًا أهم ما تضمنته الآيات الكبرى، إنها النبوة وحمل رسالة التوحيد، فقال تعالى عن الأصنام التي يشركونها مع الله في العبادة: «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ».

التسليم بوحدانية الله

وجاءت الآيات التالية من سورة النجم لها لتؤكد على أن أحد أهم أهداف رحلة المعراج هي التسليم بوحدانية الله، وربوبيته دون غيره مما يشركون.

فقال الله تعالى: «وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ (30)».

لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج قبل أن يأذن الله لنبيه (عليه الصلاة والسلام) بالهجرة إلى المدينة المنورة، وكانت من العلامات الفاصلة بين سرّية الدعوة وعلانيتها.

كما أنها كانت كاشفة لقوة إيمان المسلمين الأوائل، ومدى ثقتهم في نبوة الرسول وأنه حامل للرسالة، ولذلك انتقل الخطاب الإلهي في سورة النجم بعد ذلك للإيمان بالله في صورته الأشمل.

فقال تعالى: «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ (32)».

الآيات السابقة، كانت لمصطلح الإيمان «أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه والقدر خيره وشره، وأن تعلم بأن الله مُطَّلع عليك في كل وقت وكل حين منذ كنت جنينًا في بطن أمك، وعنده علم الساعة كما أنه عز وجل يعلم سرك وعلانيتك».

وحدة الرسالة السماوية

ثم انتقل الخطاب الإلهي وهو يرصد أهم دروس رحلة الإسراء والمعراج، كما صورتها آيات القرآن الكريم في سورة النجم، فيؤكد أن ما أتى به نبي الله محمد (عليه الصلاة والسلام) ليس بِدعًا من الرسل، بل أن الرسالة السماوية واحدة في كل الديانات والكتب وفيما أبلغه أنبياء الله كافة لأقوامهم.

فقال تعالى: «أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ (38) وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ (42)».

وتأكيدًا على وحدة الرسالة السماوية وأن الرسول (عليه الصلاة والسلام) هو النبي الخاتم، وعدم الإيمان به هو تضييع للفرصة الأخيرة للنجاة.

فقال تعالى: «هَٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَىٰ (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩ (62)».

وعبادة الله هنا لن تتحقق إلا باعتناق الإسلام بمفهومه الشامل القائم على وحدة الرسالة السماوية منذ خلق الله آدم (عليه السلام) وحتى وفاة الرسول (عليه الصلاة والسلام ) وانقطاع الوحي عن الأرض.

ومن بين الذين تحدثوا عن وحدة الرسالة الإلهية لبني آدم، على مدار القرون الماضية منذ خلق آدم وحتى الإسلام، هناك عدد من الباحثين والمفكرين وضعوا أيديهم على تأكيد قرآني واضح لهذا المعنى.

أهم أركان الإسلام

رسالة-الإسلام
رسالة-الإسلام

وفي مقدمة هؤلاء يأتي المفكر العربي، علي محمد الشرفاء الحمادي، والذي اعتبر أن الإقرار بوحدة الرسالة الإلهية يُعد أحد أهم أركان الإسلام، كما ذكر في كتابه «رسالة الإسلام.. رحمة وعدل وحرية وسلام»، الصادر عن مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث.

واستشهد على ذلك بقول الله تعالى في كتابه الكريم: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة : 136)

وقوله سبحانه: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» (البقرة : 285)

وأضاف المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، أن اكتمال الإيمان عند المسلمين لا يكون إلا إذا آمنّا بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، وذلك كأحد الأركان التعبُّدية في الإسلام.

فالكاتب يقسّم أركان الإسلام إلى ثلاثة محاور وهي: (العبادات – منظومة القيم والأخلاق – المحرمات).

وهكذا فإن أول ما يجب أن نفكر فيه عند الحديث عن ذكرى الإسراء والمعراج، هو أنها دعوة لتجديد الإيمان بوحدة الرسالة السماوية، وكذلك تنبيهًا لنا بعدم اتّباع روايات كاذبة تحت زعم أنها أحاديث نبوية.

 

السُّنة النبوية الحقيقية

إذ أن «السُّنة النبوية الصحيحة يُقصَد بها الآيات الكريمة التي حدّد بها القرآن الكريم قِيَم الفضيلةِ من رحمةٍ وعدلٍ وإحسانٍ، وهي بعيدةٌ عن تلك التي يُطلَق عليها مُسمّى “السُّنة”، تلك الروايات المُزوّرة التي تدعو إلى خطاب الكراهية، والله يدعو رسوله إلى التعامل بالرحمة والإحسان والعدل».

وذلك كما عرّفها المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابه «السنة النبوية الحقيقية»، الصادر عن مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث.

وأضاف أن «السُّنة المحمديةُ هي كل الممارسات السلوكية على أرض الواقع، اِتباعًا لمنهج الله تعالى لصياغة السلوك الإنساني ليكون ربانيًّا، يأمنه الناس على حقوقهم وحياتهم، ويكون رحيمًا وعونًا لهم، ويقف معهم مُعينًا في المواقف الصعبة، يشاهد الفقراء ويُسعِف المرضى ويعطي السائل مما أعطاه الله تعالى من رزقٍ ونِعمةٍ، ويقف مع المظلوم ويقاوم الظالم، وينشر الرحمة والسلام».

وأشار إلى أن «تلك هي السنة المحمدية، وليست الروايات الشيطانية التي تُحرِّض على الكراهيةِ والقتلِ والحقدِ والغِلِّ، وتتبُّع إغراء الشيطان وسيلقون غيًّا».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى