رؤى

الإعجاز العلمي فى أمة العجز الفكري

من العيب أن يقع فى فخها أستاذ مثله كنا نحبه ونعشق محاضراته

انتشر، في الآونة الأخيرة، فيديو لأستاذ جليل وكبير فى كلية الطب يقف فى جامع، ويتحدث عن الإعجاز العلمي فى مسائل طبية، مكانها ليس المسجد على الإطلاق، ولكنها نشوة الإعجاز فى أمة عاجزة، وذكر نفس المعلومة من قبل فى عدة برامج.

ما زلت حتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا دخل أستاذنا الكبير تلك اللعبة الرديئة التى من العيب أن يقع فى فخها أستاذ مثله كنا نحبه ونعشق محاضراته، قبل أن يجره الإعلاميون إلى هذا الملعب، ملعب الإعجاز العلمي الذى يستخدمون فيه هذا المنهج كأداة جذب إعلانات وتغييب عقل وترويج خرافة؟!

حزين أنا، بل فى غاية الحزن والأسى، على العالم الكبير حين يخلع بالطو أستاذ الطب ليرتدى عمامة «الإعجاز العلمي المزعوم» استجداء لتصفيق الشارع المتدروش.

الفيديو يتحدث عن إعجاز «فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ» التى لخصت ٢٠٠٠ صفحة من كتاب علمى يتحدث عن الماء!!

وهدد بأن من لا يؤمن بتحليله الإعجازى فهو حتماً جاحد..

الرد على خزعبلات الإعجاز العلمي

والرد على ما ورد بفيديو الطبيب المشهور، باختصار:

لو ذكرت الآية بالكامل لفهم المستمع، وبمنتهى البساطة، أن المعنى المقصود لا يمت بصلة لما ذكرته حضرتك من عدم تخزين الماء بالجسم.

الآية هى: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ».( الحجر :22)

أي أن المسألة لا علاقة لها بتخفيف الصوديوم فى الجسم من جرّاء تخزين الماء، الذى لا بد أن يخرج عن طريق الكلى والعرق…

إلى آخر القصة الطويلة التى علاقتها بالآية مثل علاقتى باللغة الصينية!!

وهذا ما قاله الطبري، يا أستاذنا الجليل:

وقوله: «فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ »، يقول تعالى ذكره: فأنزلنا من السماء مطراً فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم.

ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه، لقيل: فسقيناكموه.

وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبناً أو غيره: سقيته بغير ألف إذا كان لسقيه.

وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته، قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته.

وكذلك إذا استسقت له، قالوا أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة:

وقفت على رسم لمية ناقتى…

فما زلت أبكى عنده وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه…

تكلمني أحجاره وملاعبه

وكذلك إذا وهبت لرجل إهاباً ليجعله سقاء، قلت: أسقيته إياه.

وقوله: «وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ»، يقول: ولستم بخازني الماء الذى أنزلنا من السماء فأسقيناكموه.

فتمنعوه من أسقيه، لأن ذلك بيدى وإلىّ، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء.

كما حدثنا أحمد، قال: ثنا أبوأحمد، قال سفيان: «وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ» قال: بمانعين.

وجهان لتفسير قوله تعالى «فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ»

إذن هناك وجهان من التفسير لا علاقة لهما بالإعجاز العلمى المزعوم الذى اكتشفه أستاذ الطب من شيخ الجامع الذى يقول إنه تفوّق على مجلد هارفارد!!

وكلا التفسيرين يشهد له قرآن..

الأول: أن معنى وما أنتم له بخازنين، أى ليست خزائنه عندكم بل نحن الخازنون له، ننزله متى شئنا.

وهذا الوجه تدل عليه آيات كقوله تعالى:« وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ».

(الحجر :21)

وقوله جل وعلا: «..وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ…»،  (المنافقون:7)  ونحو ذلك من الآيات.

وأما الوجه الثانى: أن معنى وما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم، أى لا تقدرون على حفظه فى الآبار والعيون والغدران، بل نحن الحافظون له فيها، ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة.

يدل لهذا الوجه، قوله تعالى: «وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ».(المؤمنون:18)

وقوله جل وعلا: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ».(الملك:30)

وقول الله سبحانه وتعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ …».(الزمر :21)

وقوله عز وجل: «أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا »(الكهف :41)، إلى غير ذلك من الآيات.

وفى النهاية، أتمنى من الأستاذ الكبير أن يعلمنا أن الألفَى صفحة المكتوبة عن فسيولوجيا إخراج المياه من الجسم هى المنهج العلمى «اللى بجد»، والذى سيخرجنا من ظلام الجهل والتخلف، هم فى الغرب لا يفتون بل يعملون، وهذا هو السر.

 

 

المصدر:

مقال «الإعجاز فى أمة العجز»، المنشور بموقع الوطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى