الانقلاب على «الكِتاب»
بعد وفاة الرسول خالف المسلمون أوامر القرآن وتعاليمه فحدثت الكوارث

- آيات القرآن لا تخضع للشكوك - 2 ديسمبر، 2023
- التوحيد والعمل الصالح - 30 نوفمبر، 2023
- جذور الأحداث الكارثية - 28 نوفمبر، 2023
لم يشهد التاريخُ الإسلاميُّ في زمنِ الرّسولِ الكريمِ صلى الله عليه وسلّم أيَّ قتالٍ بينَ المسلمين، ولكن مَا حَدَثَ بعدَ وفاتهِ، قد كان أمرًا آخر! فقدَ جاءَ في قولهِ تَعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران، 441 ).
هذه الآيةُ فيها نَبَأٌ للمستقبل، ولَها دلالاتٌ تؤكّدُ أَنَّهُ بَعدَ وفاةِ الرَّسول صلى الله عليهِ وسلّمَ سينقلبُ المسلمونَ على أعقابِهم وسيهجرون كتاب الله وتعاليمه، وذلكَ ما حَدَثَ بالفعلِ وما تؤكّدهُ الأحداثُ الداميةُ والخلافاتُ السياسيةُ التـي حدثت في حينهِ، وأدناه سردٌ تاريخي مختصر عمّا حَدَثَ بين المسلمينَ من صِراعٍ على السلطةِ وحب للدنيا؛ أدّى إلى الاقتتال بَيْنَ صَحَابةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم حين سَقَطَ مِنْهم في ساحاتِ القتالِ الكثيرون؛ الآلاف مضرجون بدمائهم تحتَ شعاراتٍ إسلاميةٍ مُختلفة، ومذاهب سياسية متعددة، عندَما انقلبَ المسلمونَ على كتابِ اللهِ بعدَ وفاةِ الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ولم يلتزِموا بشرعِ اللهِ وَما جَاءَ في كتابهِ الكريمِ مِنْ أحكامٍ تُنظّمُ العلاقةَ بينَ اللهِ وبينَ عبادهِ فيما يتعلقُ بالعقيدةِ والإيمانِ بهِ والأسس التي تحكم العلاقةَ فيما بين المسلمين أنفسهم وغيرهم من الديانات الأخرى، مبنيةً على الرحمة والعدلِ والإحسانِ والتسامحِ والسلامِ؛ لتحقيق الأمن والاستقرار واحترام حقوق الناس وعدم الظلم وعدم الاعتداء على الناس واتباع شرع الله، فيما نهى وأمر بالرحمة والعدل وتقوى الله، والتمسّك بكتابه الذي أمر المسلمين بالوحدة وعدم التفرّق بقوله تعالى:
(اعْتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّهِ عَلَيكُم إِذ ْكُنْتُم أَعْدَاء ًفَألَّف َبَيْن َقُلُوبِكُم فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا).
فهل التزم الصحابة بأمر الله لهم بالوحدة والتمسّك بما أمر الله؟ وما أنبأنا اللهُ عنه في كتابهِ الكريم؟ كلا، وما تؤكده الأحداثُ التّالية غير ذلك، كما يلي:
أولًا: الخِلافُ على السلطةِ في سَقيفةِ بني سَاعدة، بينَ المهاجرينَ والأنصارِ، فيمَنْ يتولّى السلطةَ بعدَ رسولِ اللهِ صلّى الله عليهِ وسلّم، وكاد أن يتحول إلى اقتتال بين المهاجرين والأنصار.
ثانيًا: قِتالُ الـمسلمينَ بما سُميّ بحروبِ الردّةِ، وقَتلُ أعداد كبـيرةٍ منَ الصحابةِ، علمًا بأنَّ عقابَ المرتدّ حُكمهُ عندَ اللهِ وحدَه فَقط، كَما تُؤكّده الآيةُ الكريمةُ:
﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة، 45).
ثالثًا: اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب من أجل زعزعة استقرار السلطة الحاكمة في المدينة المنورة، وهز أركان الدعوة الإسلامية وإثارة البلبلة والفتن بين المسلمين؛ لصرفهم عن الاستمرار في نشر الرسالة الإسلامية.
رابعًا: اغتال مسلمون الخليفة عثمان بن عفان، حينما فشلوا في استغلال اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب قاموا بمحاولة أخرى لإشغال المسلمين بأنفسهم مرة أخرى باغتيال عثمان؛ لعلّهم ينجحون في خلق فتنة تؤدي إلى صراع واقتتال بين المسلمين.
خامسًا: ترتب على قتل عثمان أن نشبت معركة بين الخليفة علي بن أبي طالب وزوجة الرسول عائشة، المسماة معركة الجمل؛ للمطالبة بالقبض على قتلة عثمان ومحاكمتهم من الخليفة علي بن أبي طالب، فسقط العشرات من الصحابة في تلك المعركة مخالفين أمر الله في قرآنه بقوله (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيْحُكُم).
سادسًا: نشبت معركة صفين بين الخليفة علي بن أبي طالب، وبين معاوية بن أبي سفيان، قتل فيها أعداد غفيرة من المسلمين في صراع من أجل السلطة وأحقية الخلافة لكل منهم، وانتهى القتال بعد قرار التحكيم الذي وكل به (أبو موسى الأشعري)، وتمرد الخوارج على علي بن أبي طالب وكفّروه.
سابعًا: نشبتْ معركةٌ كان طرفاها علي بنَ أبي طالب وبعضًا من أتباعه في موقعة النَّهْروان غربي نهر دجلة، التي وقعت مع الخوارج الذين يرددون شعار عقيدتهم (لا حكم إلا لله)، عندما وافق علي بن أبي طالب على قضية التحكيم بينه وبين معاوية لحقن دماء المسلمين، فتمردوا على علي بن أبي طالب؛ لأنه قَبِل بالتحكيم، وشعارهم: (لا حكم إلا الله، الرواح إلى الجنة إلى الجنة)، وهم يكفرون كل من لا يتبع عقيدتهم، وحكمه القتل.
ثامنًا: نشبتْ معركةٌ كان طرفاها الحسينَ بن علي ويزيدَ بن مُعاويةَ، وقتل فيها سبعة أفراد من أهل بيت رسول الله، وعلى رأسهم الحسين حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسقط في تلك المعركة العشرات من المسلمين بيد مسلمين.
تاسعًا: وقعت معركة إخماد ثورة «أهل المدينة» على حُكم الأمويّين غَضَبًا لِمقَتل الحسين، وقتل سبعمائة من المهاجرين والأنصار، بيَدِ الجيشِ الأمويّ المسلمِ في معركة الحرة التي قادَ جيشَ الأمويين وبينهم «مسلم بن عقبة» الَّذِي جاءهُ صديقُهُ الصَّحابُي معقل بن سِنان الأشجعيّ، فأسمَعه كلامًا غليظًا في «يزيد بن معاوية» بعدما قَتَلَ الحُسين، فغضب منهُ وقَتَلَهُ حيث نقض أهل المدينة بيعة يزيد.
عاشرًا: قامَ الحُصينَ بن نُمَير قائدُ جيشِ يزيد بن معاوية بمحاصرة الكعبة التي تحصّن بها عبد الله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين، بضربِ الكعبةِ بالمنجنيق، وهَدْم أجزاء منها أثناء حِصارِهِ لمكّةَ سنة 64 هجرية، وهو ما لم يتجرأ أبو لَهبٍ وأبو جَهلٍ على فِعلِها، وقتل العديد من المسلمين بيد مسلمين.
أحد عشر: مقتلُ عبد الله بنِ الزُّبير ابن أسماء بنت أبي بكرٍ -ذات النطاقين- بيدِ مُسلمينَ يقودُهم الحجّاجُ بن يوسف الثقفيّ.
اثنا عشر: مقتلُ زيد بن علي بن الحُسَين في خلافةِ هشام بن عبد الملك بيدِ مُسلمين، وصَلَبوه عاريًا على بابِ دمشقَ ثم أحرقُوه، ثم قامَ الأمويّونَ بقتْل بعضِهم بَعْضًا.
ثلاثة عشر: مقتل الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين مسمومًا بيد مسلمين.
أربعة عشر: مقتلُ الخليفة الأمويّ الوليدِ الثاني بن يزيد بيدِ مُسلمين.
خمسة عشر: مقتلُ الخليفةُ الأمويّ إبراهيم بن الوليد بيدِ مسلمين.
ستة عشر: مَقتلُ آخر الخلفاء الأمويّين بيدِ قائد جيش العباسيين أبي مسلم الخراساني.
سبعة عشر: أبو العبّاس السفّاح كان يقتل كلَّ مَن تبقّى من نسلِ بني أمية من أولادِ الخلفاءِ؛ فلمْ يبقَ منهم إلا من كانَ رضيعًا أو هربَ إلى الأندلس، ثم أعطى أوامرهُ لجنودهِ بنبش قبورِ بنـي أميّة في دمشق، فنُبشَ قبـرُ معاويةَ بن أبي سفيان، فلم يجدوا فيه إلا خَيْطًا، ونُبشَ قبـرُ يَزيد بنِ مُعاوية فوجدوا فيه حُطامًا كالرّماد، ونُبشَ قبرُ هشام بن عَبد الملك، فإذا بهِ لم يتلفْ مِنه إلا أرنبةُ أنفهِ، فضُرب بالسياطِ ثم صُلب، ثم ذروه في الرّيح بعدَ حرقِهِ.
ثمانية عشر: في معركة كان طرفاها أنصارَ أبي مسلمٍ الخراساني، وجيشَ العباسيّين، قُتلَ فيها الكثيرُ من المسلمين بأيدي مُسلمين.
تسعة عشر: مقتلُ أبي مسلم الخراساني بعد موْت أبي العبّاس السَّفاح على يدِ أتباعِ الخليفةِ العباسي أبي جعفر المنصور.
عشرون: مقتلُ الأمينِ على يدِ أخيهِ المأمونِ ابنـي هارون الرشيد.
توالي الأحداث الدامية:
كما توالت الأحداثُ الداميةُ في زمنِ الخلافةِ العثمانيّةِ، حيثُ استمرّ مسلسلُ قتلِ المسلمينَ بأيدي مُسلمينَ، ومنها:
1 ـــ السلطانُ مرادُ الأول بن أورخان غازي تولّى الحكم 1359م، قَتلَ ابنه ساوجي.
2 ـــ السلطانُ بايزيد الأوّل بن مراد الأول تولّى الحكم 1389م، قَتْلَ أخاه يعقوب خنقًا؛ ليمنعه من القيام بانقلابٍ عليه. كما أصدرَ فتوًى شرعيّة، أحلَّ فيها قتلَ السلطانِ لشقيقهِ من أجلِ وحدةِ الدولةِ ومصالِحها العليا.
3 ـــ السلطانُ محمّد الأول بن بايزيد الأول تولّى الحكم 1402م، قَتَل إخوتَه سليمان وموسى وعيسى.
4 ـــ السلطانُ مرادُ الثاني بن محمّد الأول تولّى الحكم 1421م، قتلَ أخاه مصطفى.
5 ـــ السلطانُ مرادُ الثالثُ بن سليمٍ الثاني تَولّى الحكم م1451 وقامَ بقتلِ أشقائه الخمسةِ فورَ تنصيبهِ سلطانًا خلفًا لأبيه.
6 ـــ السلطانُ محمّد الثالثُ بن مرادٍ الثالث تولّى الحكم 1595م، ولمْ يكنْ أقلّ إجرامًا، فقتلَ أشقاءَهُ التسعة عشر، فور تسلّمهِ السّلطة، وقبلَ دفنِ أبيهِ؛ ليصبحَ صاحبَ الرّقمِ القياسي في هذا المجَال، بغيةَ تثبيتِ حُكمهِ. ولم يكتفِ بذلك فقامَ بقتْل ولدِه الصغيرِ محمود الَّذِي كانَ يبلغُ من العمرِ 16 عامًا، كي تبقى السّلطةُ لولده البالغ من العمر 14 عامًا، وهو السلطانُ أحمد، أما عن الجانبِ الإعلاميّ فإن كتبَ التاريخ وأصحابَ الرواياتِ يقولون إن هذا السلطانَ كانَ صاحبَ إيمانٍ إسلامي كبير! فكيف بصاحبِ الإيمان الكبير ارتكاب هكذا جرائم يندى لها الجبينُ، وتتعارضُ مع شرعِ اللهِ بتحريمِ قَتْلِ النفسِ دونَ ذنبٍ.
7 ـــ أرسلَ السلطانُ سليم طلبًا إلى طومان باي بالتبعية للدولة العثمانّيةِ، مقابلَ إبقائهِ حاكمًا لمِصْر، لكنّهُ رفضَ العرضَ ولم يستسلمْ للتهديدِ، فنظّم الصفوفَ وحفر الخنادقَ وشاركَهُ الأهالي في المقاومةِ الّتي انكسرتْ، فهرب لاجئًا إلى صديقِه الشيخ حُسين بن مرعي الّذي بدورهِ وشى بهِ، فَقُتل وهكذا أصبحتْ مصرُ ولايةً عثمانيةً، ثمّ قَتل السلطان سليم بعدَها شقيقَيه لِرفْضِهما أسلوب العنف الَّذِي انتَهَجه في حكمِهِ.
وفي كلّ ما سَبَقَ فإنّ:
ـــ القَاتلينَ والمقتولينَ كانوا يريدونَ خلافةً إسلاميةً ويتقاتلون على السلطة.
ـــ القَاتلينَ والمقتولينَ يردّدونَ الله أكبر.
هذا هو تاريخُ الـمسلمينَ الَّذِي أنبأنا اللهُ عَنه في كتابهِ الكرَيمِ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإِن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾، (آل عمران، 144).
ومَن أصدقُ حديثًا من قولِ اللهِ في كتابهِ الكريمِ بأنَّ المسلمينَ سوفَ ينقلبونَ على أعقابِهم بعد وفاةِ الرسّولِ صلّى الله عليه وسلّم.
ولقد تَرَتّبَ على ما سَبقَ؛ دِماءٌ سالتْ، ونساءٌ تَرمّلتْ، وأطفالٌ تَيتّمتْ، وأعداد غفيرةٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ قُتلوا. ونَخرَ التفّرقُ والتشرذمُ عظامَ الأمّةِ جَهارًا فأصبحَ الانشقاقُ عن الجماعةِ مفخرةً واستكبارًا، فتولدت لديهم حميّةُ الجاهلية وأخذتهم العزة بالإثم، فظهرَ إثرَ ذلك في القرونِ الأولى للعصور الإسلاميةِ العديدُ منَ الطوائفِ والمذاهبِ والفِرَقِ، وكلُّها نُسبتْ لأسماءِ أشخاصٍ أو لفقهاء برزوا فيها أو لتجمعاتٍ أو لتنظيماتٍ انضمّوا إليها، فعُرفِوا بها ومنْها، وأفرزت مذاهب شتى لتوظيفها في السياسة وخدمة للمصالح الدنيوية.
مذاهب دينية بعد وفاة الرسول:
وتأكيدًا لذلك؛ فقد نشأت بعد وفاة الرسول مذاهبُ دينية كثيرة كلٌّ له منهجه ومرجعيته، وهي كما يلي:
انقسم أهل السنة إلى مذاهب أربعة رئيسة:
وفي عصرنا الحاضر نَشَأتْ فِرقٌ مستحدَثةٌ، ولم يرد نصُّ قرآنيُّ باتباعهم أو الاحتكام إلى فتواهم، إنما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى وأمره للمسلمين: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُوْنِه ِأَوْلِيَاءً قَلِيْلًا مَاتَذَكَّرُونَ)، (الأعراف: 3).
والمسلمون ليسوا ملزمين باتباع أيٍّ منهم أو الانتماء إلى أحدهم،حتى لا يتحوّل المسلمونَ إلى فرق مختلفة متنازعة ومتصارعة، بينما الله أمرنا باتباع قرآنهِ، وما جاء به من تشريعات وما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترجمة التشريعات والفضائل والأخلاق على أرض الواقع قولًا وعملًا، وهو إمام المسلمين الأوحد، وأن نتبع سُنّته الفعلية ونقتدي بأفعاله ونتبعه في الشعائر العبادية، وعلى دعاة الإسلام ومفكريهم اتخاذ القرآن الكريم المصدر الوحيد للرسالة الإسلامية فقط، وإعداد تشريع موحد مؤسس على الشريعة الإلهية التي جاء بها القرآن الكريم، والفضائل والأخلاق الكريمة للارتقاء بأسلوب التعامل الإنساني فيما بينهم وبين غيرهم، بالرحمة والحكمة والعدل والإحسان.
في حين أن الفرق الإرهابية والمدارس الفقهية، أغلبهم يكفرّونَ مَن لا يلتحقُ بهم ولا يتبع عقائدهم، يستبيحونَ دِماءَ الأبرياءِ، وكثيـرٌ آمنَ بأفكارِ تِلكَ الفِرقِ الضالةِ وتحوّلوا إلى أداةٍ شريرةٍ استغلّها المستعمرونُ والحاقدونَ على الدّين الإسلامي، والطامِعون في ثرواتِ بلادِ الـمسلمينَ وما وهَبَهم الله من نِعَمٍ؛ ليشغلوهم في صراع وقتال على أمور لا تتعلق بحكم الخلق، بينما أمور العقيدة والعبادات في حكم الخالق سبحانه.
ولكلّ الفِرقِ مِما سَبَقَ ذكرهُ، قياداتٌ سياسيةٌ، ابتدعتْ أفكارًا ومذاهبَ باسم الإسلام، وأوهموا تابعيهم بالأملِ في جَنّاتٍ وحورٍ عِين، وغرزُوا في عقولهِم أنَّهم هُمُ القدوةُ للإسلام، وأنّهم هم وحَدَهم المصلحونَ. ولذا فَهُم المكلفونَ مِنَ المولى عزَّ وجلَّ بتطبيقِ شرعِ الله، كما فَهموُه وضلّلوا تابعيهم، بأنّهم يسيرونَ على الطريقِ المستقيم، وكلٌّ منهم يدّعي أنّه يمتلكُ الحقيقةَ المطلقةَ، وكلٌّ منهمْ نَصّبَ نفسَه حاميًا للدينِ الإسلامي، فتفرّقتْ بِهم السُّبلُ وأصبَح كلُّ حزبٍ بما لديْهِمْ فَرِحون، بأفكارٍ تستهدفُ النيلَ مِنَ الدينِ الإسلاميّ وتَخِلقُ حالةً دائمةً مِنَ الاقتتالِ بينَ المسلمينَ عندَما تحولوا إلى أدواتٍ شريرةٍ استغلها المستعمرون وأعداء الإسلام، ليسخّروهم في خدمةِ مصالحِهِم الدنيئةِ ويؤلّبوهم على بعضهم، يغرونهم بالمال والسلاح وينقلون لهم الأخبار المفبركة لتزداد النفوس احتقانًا، فيغيب العقلُ والحكمةُ لتتسارع وتيرة الالتحام ويتقاتل الأخوةُ ويحقّق العدو مآربه لاستعمارهم، وسرقة ثرواتهم، يُساقون كما تُساق الأنعام.
وينبّه اللهُ سُبحانَهُ رسولَهُ بقولهِ تَعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚإِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمّ َيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، (الأنعام: 195).
ولذلك فالله فرّق بين رسولهِ وبينَ الفِرَق المختلفةِ، والطوائفِ الدينّيةِ المتناحرةِ، فالرسولُ ليسَ مِنْهم في شيءٍ، بمقتضىَ مُرادِ اللهِ في هذه الآية، وأنّ ما يرفعونهَ من شعاراتٍ وأعلام كُتِبَ عليها: لا إله إلا اللهّ، محمد رسول الله، لن تغنيَ عنهمْ شيئًا يومَ القيامةِ، فَقَدْ حَكَم اللهُ عليهم بأنّهم لم يتّبعوا رسالةَ الإسلام، وابتعدوا عن منهجيةِ القرآن الكريمِ، ويصفُهم اللهُّ تعَالىَ بقولهِ: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِۚ ُولَئِك َحِزْب ُالشَّيْطَانِۚ ألَا إِنّ َحِزْبَ الشَّيْطَان ِهُمُا لْخَاسِرُونَ).
ومما سبق يتبين للمسلمين أن الأحداث الكارثية والاقتتال فيما بينهم في الماضي والذي استمر أكثر من أربعة عشر قرنًا حتى يومنا هذا، نتيجة منطقية عندما انقلبوا على كتاب الله واتخذوا الروايات بدلًا من الآيات، أدى إلى تَشرذم المسلمينَ وتفرقهم في الماضي، أدى الى نشوءِ تشرذمٍ جديدٍ في عصرنِا الحاضرِ، أنتج فِرقا مستحدثة عُرِفَ منها الجماعاتُ التكفيرّيةُ؛ كالقاعدة وداعش والنصرةِ، كذلك الإخوان المسلمون والسلفية الجهادية، وغيرهم ممّا راجتْ بأسمائِهم القنواتُ الإخباريةُ، وشبكاتُ التواصلِ الاجتماعي، وكلّهم يكفّرونَ ويحاربونَ مَنْ لا يلتحقُ بِهم، وهم يستبيحونَ دماءَ الأبرياءِ، والجامعُ بيـنَ الفِرقِ والمِلَلِ كلها أنّهم يدّعونَ انتماءَهم للإسلام، لكنّهم يرفضونَ الالتزامَ بكتابِ اللهِ وشريعتهِ السمحاءَ، ويعتبرونَ أنفسَهم الفرقةَ الناجيةَ، وأنّهم حُماة الإسلام ودعاته، أخذتهم العزة بالإثم بما أصابهم من غرور واستعلاء، وكثيرٌ مِمن آمن بتلك الأفكار الهدامة تحلل القتلَ وتستبيح الحرمات، تسعى للتخريب والتدمير، تحوّلوا إلى أدواتٍ شريرة استغلّها المستعمرونَ الغزاةُ؛ أمثالُ بني إسرائيلَ وغيرِهم ممّن يضمرونَ العداوةَ والبغضاءَ للعرب، فوظّفوهم في خدمةِ مآربهِم لإِشغالِ المسلمينَ بقتال بعضهم بعضًا، لهدْمِ الأوطانِ وتهديدِ أمنِ وسلامةِ الشعوبِ العربيّة، تحقيقًا لأمْن إسرائيلَ وللحفاظِ على مصالحِهمِ البتروليةِ في الوطنِ العربي، وتحقيقًا لتأسيس دولة إسرائيل الممتدة من الفرات إلى النيل، اجتمعت حولها كل قوى الشر من الدول الاستعمارية السابقة.
لقد حذَّر اللهُ المسلمينَ الَّذِين تفرّقوا أحزابًا وشيعًا وفرقًا مختلفةً يحملونَ مسميّات متعددة، واتّبعوا أولياءً مِنْ دون الله، بأنَّ رسولَ اللهِ بريء منْهم؛ فَقد خَالفوا أمرَ الله في الاعتصام بِحبلِ اللهِ وعصوا أمره كما جاء في القرآن الَكريم، فلمْ يتّبعوا كتابَ اَللهِ وما أَمرهم بهِ بقولهِ تَعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أولياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾ (سورة الأعراف: آية 3).
فلنْ تُغنيَ عنهم شعاراتُهم وأعلامُهم السّوداءُ وشعار الشهادتين، علمًا بأنّ كل إنسان اتخذ الإسلام دينًا وارتضى الانتماء إليه، وقال لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، فقد التزم بعهد وعقد بينه وبين الله، بأن يتبع قرآنه ويؤدي الأمانة في القيام بكل الشعائر الدينية والالتزام بكل ما حرم الله والتقيد بقيم القرآن النبيلة والأخلاق الكريمة في التعامل بينه وبين الناس التي نصَّ عليها كتاب الله الكريم وبلّغهم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلّمهم شروط العبادات وحكمتها، وطرقَ تأديتها، وعندما اتبعوا روايات المجوس وبني إسرائيل خانوا الله ورسوله، وخانوا عهد الله وانحرفوا عن الطريق المستقيم ولم ينصاعوا لأمر الله في قوله سبحانه ﴿فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى(123) ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكا (124) ( طه)، فغضب الله عليهم وأعدَّ لهم عذابًا عظيمًا، والله يصفهم بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ألَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُون وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة: 11 – 12)، ثمّ يدوسونَ بأرجلهم التشريعات الإلهيّةِ، ويقتلونَ النفسَ التي حرّم الله، ويرتكبونَ الجرائمَ والآثام، ويحاربونَ اللهَ ورسولَهُ ولم يتقيدوا بأوامره، التي تأمرُ بالرحمةِ والتعاونِ والتّقوى والمحبةِ والسّلام، حين ابتعدوا عن مَنْهَج القرآنِ الكريمِ واتّبعوا الشيطانَ فخسروا الدنيا والآخرة وحَكَمَ اللَهُ عليهم بقوَلهِ سبحانَه: (وَالَّذينَ يَنقَضونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأرضِۙ أُولٰئِك َلَهُمُ اللَّعنَة ُوَلَهُم سوءُ الدّارِ) (الرعد: 25.)