التبرير الديني
- الموت اللذيذ! - 11 يونيو، 2019
- اعترافات «تاجر دين» - 14 مايو، 2019
- التبرير الديني - 7 يناير، 2019
كل محتل قام بغزو بلاد العرب والمسلمين، لفت انتباهه اكتشاف مثير. بعض الغزاة استفادوا من هذا الاكتشاف، وبعضهم وجدوا الأمر صعبًا بالنسبة لهم رغم إقرارهم بتأثيره ونجاعته. هذا الاكتشاف يتمثل ببساطة في أن المحتل يمكنه الحصول على مباركة وموافقة ورضا الشعب عن قائد الاحتلال وجنوده، كما يمكن للشعب تبرير كل الجرائم وأعمال السلب والنهب التي يقوم بها المحتل لو أن هذا الغازي قد أعلن إسلامه!
وقد استفاد من هذا الكشف قادة التتار وهم يقتحمون المدن العربية؛ فأعلن جنكيزخان وهولاكو وتيمورلنك اعتناقهم الإسلام، فأصبح كل منهم بمثابة الحاكم المتغلب الذي له السمع والطاعة مهما افترى وقسا وفَجَر. الأمر نفسه فعله نابليون بونابرت ورفاقه من القادة الفرنسيين وقت الحملة الفرنسية على مصر، حتى إن «مينو» الذي خلف كليبر في قيادة الحملة قد تزوج فتاة من مدينة رشيد بمباركة أهلها! وقد ساعدت حيلة نابليون هذه في تخفيف حدة المقاومة وتثبيط هِمّة أصحاب الهمم في مواجهة الوجود العسكري الفرنسي على أرض المحروسة، ما دام المحتل قد أصبح مسلمًا وموحدًا بالله!
لا يخفى طبعًا أن حالة العبط والخيبة التي تجعل الناس ترحب بالمحتل ما كان لها أن تكون لولا رجال الدين الذين لم تكن لهم في كل العصور وظيفة سوى تثبيت أركان الحكم الغاشم وتحذير الناس من رفض الظلم، وهم الذين قاموا بتأليف أحاديث إجرامية تقول بوجوب طاعة أهل الحكم ولو هتكوا عرضك وأكلوا مالك وضربوا ظهرك، وهم من صكُّوا تعبير «حاكم غشوم ولا فتنة تدوم»، وصوروا للناس أن الدفاع عن جرائم الحكام هو السبيل لرضوان الله ورسوله ودخول الجنة!
لهذا يجب ألّا نندهش عندما نجد اليوم من يشعرون بالحنين لدولة الخلافة ويحلمون بتنصيب السلطان أردوغان خليفة للمسلمين، ولا يردع أحلامهم الحمقاء معرفة أن الغزو العثماني لمصر كان خرابًا مضاعفًا، ولا يتوقفون عند حقيقة أن السلطان سليم الأول بعد دخوله القاهرة قتل نحو عشرة آلاف من المدنيين المسالمين في يوم واحد. كل هذا لا يهم، يكفي أنه مسلم يقيم الصلوات في مواقيتها حتى يدعو له الشيوخ على المنابر في خطبة الجمعة!
ومن الغريب أن نفس الدور الملعون لرجال الدين ما زال مستمرًّا حتى اليوم في تبرير كوارث الحكام والدفاع في الصباح عما يهاجمونه في المساء، وتصوير أن محاولة إقامة العدل هي خروج على الشرع الحنيف، ولا نستبعد -والأمر هكذا- أن يقوموا بتأليف أحاديث جديدة تتحدث عن آداب دخول المباني الحكومية، وقد لا يكون هذا كافيًا فيضطر الناس وهم يقتربون من السور الخارجي لترديد: اللهم لا تُدخلنا في التجربة ونجنا من الشرير!