الأسرة والمجتمع

التربية الإنسانية في هدي القرآن (2-2)

تقبل النفس البشرية بضعفها وكنوزها هو طريق بناء الإنسان

في المقال السابق بعنوان (التربية الإنسانية في هدي القرآن 1-2) تناولنا قدرة التربية الإنسانية على تكوين إنسان سويّ، يدرك ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، وبناء عليه يتعامل مع الجميع ويقرر خياراته بثقة مطلقة في النفس، واحترام مبني على الحب لا على الخوف.

إن التربية التي ينحصر دورها في الأوامر والنواهي فقط، غير فعّالة على الإطلاق، وليست هي الطريق الأقصر لغرس القيم والأخلاقيات النبيلة في نفوس أبنائنا كما يزعم بعضنا، وإنما التربية الإنسانية بمفهومها الواسع ومحبتها المُخلِصة وتقبّلها الذي لا يقتصر على مميزات الأبناء فقط دون تقبل عيوبهم، هي التربية التي ننشدها، وهي التي وضع القرآن الكريم بذورها في قصص الأنبياء التي كشفت المنهج الإلهي في تكوين وبناء الإنسان، وتكوين مجتمع إنساني يسمو بأفراده ويكون هدفه الأول هو بناء إنسان سويّ.

إن مفهوم الطاعة المطلقة من غير حوارٍ بنّاء كاشف، لا تبني شخصية إنسانية سويّة، بل شخصية تابعة ضعيفة وعديمة الثقة بمقدراتها، وإن كنا فوق ذلك لا نحفظ حق أبنائنا في الرفض؛ فإننا نسعى لقولبتهم وخلق نسخ متطابقة، دون اهتمام بالفروق الفردية التي تميز كل إنسان عن الآخر، بل وتطمس بوادر النبوغ والرغبة في الاكتشاف وكذلك الإبداع. والأخطر من كل هذا تعلم الخوف من إبداء الرأي، خاصة إن كان طلب الطاعة مقرونًا بالعنف.

إن أهم أساس لتربية إنسانية سامية، هو التواصل البنّاء، والتقبُّل والمحبة غير المشروطة بفعلٍ إيجابي. وقبل ذلك احترام حقوق الأبناء وتقديرها، حقوقهم الإنسانية في الخطأ، وفي الرفض، في الاختلاف، في ممارسة حياتهم كما يريدون، في حرية التعبير عن آرائهم دون قيود أو خطوط حمراء، توفير بيئة آمنة للاستكشاف، ومراعاة حقهم في السؤال وفي تفنيد الأجوبة ومناقشتها.

إن تقدير كل ذلك يبني شخصية سوية، تتطور سريعًا وتُبدع وتنتج وتقدم للإنسانية كل جديد، شخصية مستقلة، مسئولة عن أفعالها بشكل يدعو للفخر بهم، لا محاولة تعويض نقصنا من خلالهم، أو تحقيق أحلامنا التي أخفقنا في الوصول إليها عن طريقهم.

أبناؤنا مستقلون متفردون مختلفون تمامًا عنّا، ويجب أن نرعى ذلك بكل طاقة الحب والعطاء واحترام حقوق الإنسان في داخلنا، ولكن لن يتحقق شيء من هذا كله إلا بالوعي وبالقراءة وبمحاولة فَهْم وتقبل النفس البشرية بكل ضعفها وبكل كنوزها الخفية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى