الخطاب الإلهى

التساؤل في القرآن بين إبراهيم وموسى

العقل البشري يطرح الأسئلة في جميع العصور

التساؤل عنصر أساسي من عناصر الإيمان والعقل البشري دائمًا في كل عصر تلح عليه الأسئلة بشكل دائم. وعمد الخطاب الإلهي إلى الاستفادة من هذه التساؤلات لتعميق الإيمان.

أبو الأنبياء إبراهيم يصل إلى ذروة الإيمان بطمأنينة القلب. وذلك في قوله تعالى: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (البقرة:260).

طمأنينة القلب تقود إلى ذروة الإيمان

يقول الدكتور أحمد العمري في كتابه (البوصلة القرآنية): «إبراهيم لم تمنعه مكانة الوحي الإلهي التي يتلقاها، والمكانة الرسولية التي تبوأها من أن يعلن صراحةً عن حاجته إلى إعادة النظر، عن عدم طمأنينة تشوب أفكاره وقلبه وعقله، عن تساؤل يقترب من الحدود الخطرة، وعن شك يحتاج معه إلى بحث.

وبالتساؤل وحده وصل إلى اليقين النهائي، وصل إلى طمأنينة القلب، الذروة العالية من الإيمان التي كان يصبو إليها، هل وصلها بالمزيد من التعبد؟

الاستغفار؟ بالتحنث والانقطاع للعبادة؟

أبدًا. ولعله ما كان يصلها أبدًا لو استخدم هذه الوسائل، لكنه وصل بالتساؤل الذي لا يمثل محطة عابرة في إيمان أبي الرسل والأنبياء، بل يمثل العلامة الأهم –قرآنيًا- في مسيرته الرسولية».

وأضاف «العمري» في كتابه: «ومن الواضح عبر السياق الوارد في الخطاب القرآني أن هذا التساؤل الإبراهيمي كان بعد نزول الوحي عليه.

و أن ربط ذروة الإيمان بحالة التساؤل والشك الإيجابيتين، تسهم في تأصيل الإيمان وتعميق جذوره، لا الإطاحة به كما يتصور بعضهم».

سؤال لا يُسأل

وفي حالة أخرى من التساؤل والذي تناسب مع البيئة المحيطة والرؤية المادية التي كانت تسيطر عليها، جاء تساؤل آخر من نبيٍ آخر، كما تحدث عنه الكاتب «العمري» في كتابه فقال: «يستخدم الخطاب القرآني أنموذجًا آخر لتعميق فكرة التساؤل» وأضاف.. «أنه موسى عليه السلام».

«فموسى سأل الله ما لا يُسأل عادة، وهو أن يراه..

وهذا السؤال له معطيات واقعية منسجمة مع الرؤية التجسيمية التي كان العبرانيون يؤمنون بها.

وفي كلتا الحالتين، ابراهيم وموسى يأتي الجواب الإلهي بصورة عملية بليغة».

ويؤكد الكاتب على أن التساؤل بهذا المعنى، قد يفتح باب اليقين النهائي، لا الضياع والإلحاد، كما يحاول البعض أن يوهمنا.

إنه الشك الإيجابي والتساؤل الفعّال، ذاك الذي يصير جزءًا من طبيعة تفكير ومنهجية حياة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى