الخطاب الإلهى

التسامح الديني محور الوجود الإنساني

التعارض في الإيديولوجيات الدينية أدت إلى حروب وصراعات

يعتبر التسامح السياسي وعلى مر العصور من أبرز جوانب مفهوم التسامح، لا سيما وإن التعارض في الإيديولوجيات الدينية على وجه العموم والسياسية منها على وجه الخصوص قد أدت إلى حروب وصراعات عجزت البشرية أن تحصيها، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين من فلاسفة التنوير ينادون  إلى التسامح الديني، الأمر الذي جعل لهم تأثير واضح في المجتمعات عمومًا والغربية منها خصوصًا.

وأضاف المقال المنشور في موقع (معهد البحرين للتنمية السياسية)، أن هؤلاء الفلاسفة غضوا الطرف عن الجانب الآخر من التسامح لا يقل أهمية عن التسامح الديني ألا وهو التسامح السياسي، ففيما تسبب انعدام التسامح الديني في خلق المشاكل في العديد من مناطق العالم، فإن الاختلافات في الإيديولوجيات السياسية قد تسببت في مقتل مئات الملايين من البشر.

التسامح الديني

ويؤكد المقال على أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه صار ضروريًا ومرتبطًا بوجود الناس على الأرض في شكل تجمّعات بشرية، وهي وإن اتّفقت في ما يجمع بينها من وحدة الأصل والحاجة إلى التجمّع والحرص على البقاء والرغبة في السيطرة على مقوّمات الحياة والسّعي والرغبة في التقدّم، فإنها أيضًا قد راعت  الخصوصية العرقية والدينية والبيئية والثقافية.

ويشير المقال إلى أن القرآن قد صرح بهذه الحقيقة حيث ذكر المولى تبارك وتعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).

وأشار إلى أن الإنسان من طابعه المَدنية بمعنى أنه لا تتحقّق حياته إلاّ داخل وسط اجتماعي متشابك فيه الخير والشر، وفيه الحب والبغض، وفيه الأنا والآخر.

التنوع والاختلاف بين الناس

وبالتالي فإن التنوّع والاختلاف بين الناس أفراداً أوجماعات لا يعتبر انحرافاً، بل هو نابع من طبيعتهم البشرية، فهو ظاهرة ضرورية اقتضتها الفطرة الإنسانية، وقد أكد القرآن الكريم على ضرورة هذا الاختلاف، حتى يتمكّن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار فقال عز وجل: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود: 118).

ويشير إلى المقال إلى أن هكذا نلاحَظ، أن الغاية من اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات ومَدَنيات إنما هو التعارف وبات واضحاً أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ضرورياً ضرورة الوجود الإنساني ذاته. فقيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يُقرّ الاختلاف ويقبل التنوّع ويحترم ما يميز الأفراد من معطيات نفسية وعقلية، ويقدر ما يختص به كل شعب من مكونات ثقافية امتزج فيها قديم ماضيه بجديد حاضره ورؤية مستقبله، وهي سبب وجوده وسرّ بقائه.

التسامح الديني وبناء المجتمع المدني

ويوضح أنه لذلك فانه من الواضح أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي التسليم المطلق – اعتقادا وسلوكاً وممارسة – بأنه إذا كان لهؤلاء وجود فلأولئك وجود، وإذا كان لهؤلاء دين له حُرمته فلأولئك دين له الحُرمة نفسها، وإذا كان لهؤلاء خُصوصية ثقافية لا ترضى الانتهاك فلأولئك خُصوصية ثقافية من الأهمية احترامها . ليس ذلك فقط بل إن التسامح الديني في ذاته يعتبر مقومًا أساسيًا لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده، فالتعدّدية و الديموقراطية وحرية المعتقد وقبول الاختلاف في الرأي والفكر وثقافة الإنسان وتقدير المواثيق الوطنية واحترام سيادة القانون، خيارات إستراتيجية وقيم إنسانية لا تقبل التراجع ولا التفريط ولا المساومة، فالتسامح – إذن – عامل فاعل في بناء المجتمع المدني، ومشجّع على تفعيل قواعده.

وفي الختام يؤكد المقال على إنه أمرًا لا مرية فيه أن التسامح يستوجب الاحترام المتبادل، ويستلزم التقدير المشترك، والتعارف بين الشعوب بهدف التقارب لا الصراع، ويفرض التعامل في نطاق الدائرة الموضوعية من دون المسَاس بقضية الخصوصية الثقافية، وهي دائرة تبادل المعارف والمنافع والمصالح المشتركة الفاعلة التي يعود مردودها بالصلاح والمودة بين الجميع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى