رؤى

«التقية».. فتنة كبرى

حتى يأتيهم «المُخلِّص» الذى سيعيد إليهم حلم الخلافة مرة أخرى!!

د. محمد السعيد مشتهري
Latest posts by د. محمد السعيد مشتهري (see all)

     هذا المقال

«فقه الخداع».. مبدأ غريب انتهجته ما تُسمى بجماعات الإسلام السياسي، تزعم فيه أن الشرع قد أحل لأتباعها أن يخدعوا المسلمين ممن لا ينتمون لجماعتهم فيقولون لهم باللسان خلاف ما يبطنون في نفوسهم!!

وفي هذا المقال يقوم الكاتب بتأصيل هذا الخداع الشرعي المزعوم، ومتى ظهر لأول مرة، ومدى الأضرار والأزمات التي لحقت بالأمة الإسلامية من جرّاء هذه «التقية»، أو فقه الخداع، على مدار القرون الماضية.

 

لقد اجتهد صحابة رسول الله في تنصيب من يخلفه في حفظ الدين وإدارة الدولة، ولم يكن ذلك عن نص تشريعي إلهي، فالقرآن لم يذكر من سيخلف الرسول، ولم يضع نظامًا أو شروطًا للخلافة.

أما الصراع الذي قام بين نظرية «الخلافة» عند السنّة، ونظرية «الإمامة» عند الشيعة، فلم يظهر كقضية محورية في نظام «الحكم في الإسلام» إلا بعد عصر التدوين..

أي بعد قرنين من وفاة رسول الله..

حيث وضعت كل فرقة نظريتها، استنادًا إلى «مرويات»، نسبها الرواة إلى رسول الله..

ولو أراد الله تعالى «التنظير» لمسألة الخلافة أو الإمامة، لأنزل شريعة تُفصّل نظامها وآلياتها، يعمل بها الناس إلى يوم الدين.

ثم جاءت فتنة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، بأيدٍ مسلمة، وكانت هذه الفتنة هي القاعدة التي قامت عليها الأصول العقدية والتشريعية لأزمة «التخاصم والتكفير»، واستباحة الدماء بغير حق، بين أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، على مر العصور.

ولقد كان من الضروري أن تجد منظومة «الفقه السياسي» تخريجًا فقهيًا لهذه الدماء التي سُفكت بغير حق، مع سبق الإصرار والترصد، بعد مقتل عثمان، خاصة في أحداث «الفتن الكبرى»، التي قُتل فيها آلاف المسلمين.

ولقد كان أهم الأدلة التي استند إليه أئمة السلف لإيجاد مخرج لهذه الإشكالية، هو قوله تعالى في سورة الحجرات: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [9]).

 

الفقه السياسي

لقد اعتبروا هذه الآية دليلًا على جواز سفك المسلمين دماء بعضهم بعضًا، مع بقائهم على إيمانهم.

وهذا التوظيف المذهبي للآية لم يُعط لحرمة الدماء حقها الذي ذكره الله تعالى في كتابه الحكيم!!

فهذه الآية الكريمة تتحدث عن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا [يعني خناقة]، فأمر الله تعالى جهة ثالثة [وهي الدولة]، التي تملك وحدها القوة والسلطان، أن تتدخل لردع الطائفة الباغية: «حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ».

ولو كان السياق القرآني يتحدث عن قتل وسفك للدماء، ما قال بعدها: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».

إن أحداث «الفتن الكبرى» كانت معارك قتالية، بدأت بموقعة الجمل، بين جيش خليفة المسلمين عليّ بن أبي طالب، وجيش السيدة عائشة، واستمرت عدة أيام، وأسفرت عن آلاف القتلى!!

أي كانت ضد خليفة المسلمين، أي ضد الدولة نفسها وجهازها الحكومي!!

فما علاقة هذه الآية بما ارتكب من جرائم جنائية في أحداث «الفتن الكبرى»؟!

لقد حرّم الله تعالى سفك الدماء بغير حق، ولا يوجد دليل في كتاب الله يبيح لمسلم سفك دم مسلم عمدًا مع سبق الإصرار والترصد.

إذن فعلى أي أساس شرعي سفك المسلمون دماء بعضهم البعض في موقعة الجمل [36هـ]، وصفين [37هـ]، والنهروان [37هـ]، وكربلاء [61هـ]، والحرة [63هـ] والتي قُتل فيها وحدها 12000.

إلا أن يكونوا، ومعظمهم من الصحابة، قد خرجوا للقتال بناء على فتوى «فقيه»؟!

وكذلك، فإن الذي يفجر نفسه اليوم لا يستند في عمله هذا إلى «آية قرآنية»، وإنما إلى فتوى إمام، يعتبرها مقدسة، وإلا ما قدم حياته فداء فتوى ليست لها مكانة عقدية في قلبه!!

وعلى هذا لم تجد الجماعات الجهادية الإرهابية سبيلًا لإظهار قوتها، أمام العالمين، إلا أن يفجر أعضاؤها أنفسهم بأيديهم، باسم الإسلام، والاستشهاد في سبيل الله!!

إن هؤلاء لم يعرفوا حُرمة الدماء، فقد ملأت قلوبهم أزمة «التخاصم والتكفير»، بعد غياب فقه «الآية القرآنية» عنها!!

المصدر:

مقال ««التقية».. فتنة كبرى» المنشور في موقع الوطن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى