
الجدال صفة غير محمودة في الشريعة الإسلامية، إلَّا في نطاق مُحدد أباحه القرآن الكريم للدفاع عن الحق، والانتصار لدين الله.
والأصل في نَهي الإسلام عن الجدال أنه صفة تُنفِّر القلوب وتزيد من امتداد الخُصومة، ومراجعة الكلام على سبيل المُنازعة والمُغالبة.
وقد أباح الخطاب الإلهي الجدال والمُجادلة في حدود ومواضع مُعيّنة، وجعل له ضوابط مُحددة لنُصرة الحق، وإزهاق الباطل.
الجدال الحلال في القرآن الكريم
المتأمل في المعنى اللغوي لكلمة الجدال يتعرف على سر كراهتها في الشريعة الإسلامية حيث تعني «الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجَدَالة» وهي الأرض الصلبة، أو الرمال المتحركة.
وقد وَرَد لفظ الجَدَل في القرآن في تسعة وعشرين موضعًا، جاء في خمسة وعشرين موضعًا بصيغة الفعل، مثل قوله تعالى: «يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ…» (الأنفال:6).
وقوله عز وجل: «…وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا» (الكهف:54) أي أكثر مِراء وخصومة، فلا يُنيب للحق، ولا ينـزَجِر للمَوعِظة.
وجاء لفظ الجدال في أربعة مواضع بصيغة الإسم، ومن ذلك قوله تعالى: «…وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ» (البقرة:197).
وقد وردت في القرآن الكريم سورة كاملة تسمى «المجادلة» تضمّنت حكاية المرأة التي جاءت رسول الله (صلى الله عليها وسلم ) تشتكي زوجها.
معاني المجادلة في الخطاب الإلهي
وقد وردت كلمة الجدال في القرآن على ثلاثة معان، الأول: بمعنى الخصومة، وهذا المعنى أكثر ما جاء عليه هذا اللفظ، ومن ذلك قوله تعالى: «مَا يُجَادِل فِي آيَات اللَّه إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا…»(غافر:4).
ومعنى الآية أي ما يخاصم في حجج الله وأدلته على وحدانيته بالإنكار لها، إلا الذين جحدوا توحيده.
وقد جاء نفس المعنى السابق في قوله سبحانه: «قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا…»(هود:32)، أي: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا.
ومنه أيضًا قوله عز وجل: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ » (الحج:3)، أي: يخاصم في الله.
أما المعنى الثاني للمجادلة في القرآن الكريم فتعني الحِجَاج أي تقديم الحُجة والبرهان، كما جاء في قول الله تعالى: «فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيم الرَّوْع وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلنَا فِي قَوْم لُوط» (هود:74).
أما المعنى الثالث فقد جاء بمعنى المناظرة، ومن ذلك قوله سبحانه: «…وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…» (النحل:125)، أي من احتاج منهم إلى مُناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحَسَن برفق ولِين وحُسْنِ خطاب.
وكذلك قوله عز وجل: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…» (العنكبوت:46).
وهنا نجد الفرق الواضح بين «الجدال» و«الحِجَاج»، فالأولى تعني المُصارعة في الكلام من أجل الغلَبة وليس من أجل نُصرة الحق.
أما الثانية فتعني ظهور الحق بالحُجة والدليل والبرهان وذلك دأْب الأنبياء عليهم السلام في رَدْع المُجادلين عن الباطل.