الجهاد المشروع في القرآن الكريم
الخطاب الإلهي وضع تشريعًا محددًا للدفاع عن الدين والحقوق

الخطاب الإلهي شمل تشريعات عِدّة ومنها تشريع في ما يتعلق بالقتال في سبيل الله، فقد وضع تشريعًا وقاعدةً تحدد متى يكون القتال.
فقال سبحانه وتعالى «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: 190).
وتُعَد الآية السابقة قاعدة وركيزة أساسية للجهاد في سبيل الله بما يضمن الدفاع عن الدين والنفس والمال والعِرض.
هذا ما ذكره المفكر العربي، علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابه «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» الصادر عن مؤسسة «رسالة السلام للتنوير والأبحاث».
الخطاب الإلهي وضع تشريعًا يُحدد القتال
يقول «علي محمد الشرفاء الحمادي» إنَّ هذا التشريع ليس موجهًا لقومٍ غير قوم أو لأصحاب ديانةٍ دون أخرى، إنّما هو تشريع إلهي عام للناس جميعًا.
هذه الآية الكريمة، كما أكد حددت بكل وضوح مُقاتلة المعتدين والذين جاءوا للقتال أو الاعتداء على أُناس مُسالمين.
ورأى أن كل آيات القتال التي جاءت في القرآن الكريم والتي تحُث عليه مُنضبطة وِفق التشريع الإلهي الذي تضمنته الآية.
وأوضح أن ما عدا ذلك من آيات متعددة ذُكِر فيها القتال وكيفيته في مواجهة المعتدين إنّما هي تعليمات إلهيَة تنظم طُرقه.
كلها تندرج تحت حُكم القاعدة الأساسية في الآية وفي حالات محددة تكون مُقاتلة المعتدين، متمثلة في عدة نقاط.
أولها: في حالة نَقْض عهود السلام بين الطرفين واستعداد أحدهما للهجوم المُباغِت على الطرف المُزمع الاعتداء عليه.
ثانيها: في حالة الاعتداء المباشر على الآمنين في القرى والمدن ومواجهة العدوان بكل القُدرات المُتاحة.
ثالثها: في حالة التجهيز والإعداد لتدريب الجيوش وتسليحها لِصدّ الهجمات من قِبَل الأعداء الذين جاءوا لقتال الـمسلمين.
رابعها: الاعتداء والغارات المستمرة على المسلمين واستباحة أراضيهم ونَهْب ثرواتهم وسبْيّ نسائهم واستباحة حُرُماتهم.
آيات القتال في سبيل الله
يؤكد «علي محمد الشرفاء الحمادي» أن كل تلك الحالات تتفق تمامًا مع الآية، ورغم ذلك وضع الله قاعدة أخرى رحمةً بكل الناس ولِحقْن الدماء و تقليل الخسائر وتضميد الجراح.
قال تعالى «وَإِن جَنحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ» (الأنفال: 61).
ذلك يؤكد مراد الله في الآيات بشأن الدفاع عن النّفس وعدم الاعتداء على الغيـر؛ موضحًا وجود آيات قرآنية تُؤسّس لتلك القاعدة.
تمثلت الآيات في قول الله تعالى «وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظلومًا فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطانَا فَلا يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصورًا» (الإسراء: 33).
وقال تعالى «يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا لَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمَ وَلَا تَقْتُلُوا أنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكَمْ رَحِيمًا» (النساء: 29).
وكذلك قوله تعالى «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفَسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأرْضِ لَمُسْرِفُونَ» (المائدة: 32).