
القرآن الكريم دعا المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله، ولكنه لم يأمر بقتال الناس حتى يدخلوا دين الإسلام، وهذا ما جاء في قول الله تعالى «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (يونس: 99).
يقول المُفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي في كِتابه «المُسلمون بين الخِطاب الديني والخِطاب الإلهي»، الصادر عن مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث إنَّ كلمة الجِهاد ذُكِرَتْ في 3 آيات في القرآن الكريم وأن معناها مُنصرف إلى غير القتال بالسيف كما يزعم الآخرون.
وأوضح «على الشرفاء» أنَّ الآية الأولى تقول: «فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا» (الفرقان: 52)، وتعني جهاد الكُفار بالحِوار والمنطق بآيات القران الكريم.
أما الآية الثانية فيقول الله عز وجل فيها: «وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (العنكبوت: 6).
وذكر أنَّ كلمةَ الجهادِ كَمَا وردتْ في القرآنِ الكريم، جاءتْ حاملةً معناهَا وتفسيرَها، فهو بَذلُ الجُهدِ والطَّاقةِ وتَحمُل المشقةِ في سبيلِ تحقيق أوامر الله، في مُجاهدة النفْس وتطويعها لتطبيق مبادئ المنهج الإلهي.
ذلك المنهج يرتقي بشخصية الإنسان في عباداته وأخلاقياته والإلتزام فيما حرَّمه الله والتغلُب على هوى النفْس الأمّارة بالسُوء والتي يستدرجها الشيطان إلى طُرق الغواية.
وأشار إلى أنَّ هذا الجِهادُ يبدأ من اليوم الأول لِوعي الإنسان بضرورات الحياة الكريمة، وما تتطلبُها من أشكال مختلفة في بَذْل الجُهد المُخلِص في التمسُك بتكاليف العبادات.
هذا بالإضافة إلى تأدية المشاعر الدينية وترجمتها إلى سلوك يومي بإتباع المنهج الإلهي في السلوك الإسلامي الذي أمرنا الله بإتباع القيَم النبيلة ومُمارستها مع الناس جميعًا أولها الرحمة والعدْل والإحسان وعدَم الإعتداء على حُقوق الناس ونشْر السلام ليتحقّق الأمنُ والإستقرار.
الجِهاد في زمن السِّلم
ولفت إلى قول الله تعالى «ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رِبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۖ وَهُوَ أعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين» (النحل: 521).
وأوضح أنَّ الآية تُبين الجهادُ بالدعوة والحكمة والموعظة الحسنة للتعريف برسالة الإسلام التي تدعو للأمن والسلام والتعاون والعدْل والرحمة بين الناس.
وحسب تأكيده فإنَّ بها يتحقق الإطمئنانُ للنفْس وتُحيطها السكينةُ لتمنح الإنسان شعورًا بالإيمان بقوة الله وقدرته وتُقوي من عزيمته تدفعه للعمل الصالح وما يُحقَّق به من تأمين رزقه ورعاية أُسرته وأمنه في حياته الدُنيا.
و ذلك حتى يعيش الحياة هانئًا وسعيدًا مطمئنًا برحمة الله وبما ييسر له من خير ويكشف عنه من ضرر، يعده الله بقوله تعالى: «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (يونس: 107).
قَالَ تَعَالى :«ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السَّيِّئَةَۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ» (المؤمنون: 96)، هنا الجهادُ بالدَّفع بالقَول الحَسَن، كما ذكر المُفكر العربي” علي محمد الشرفاء الحمادي”.
ضرورة السيطرة على النَفْس
وأضاف أنَّ هذا الأمر يتطلب مُغالبة النفْس وكبْح جِماحها والسيطرة عليها في رد الفعل وهذا أشدُّ أنواع الجِهاد لكي يتجنب مُضاعفات الموقف وما سيترتب عليه من إشكاليات يعلمها الله.
وأشار إلى قوله تعالى «وَلَا تَسَتوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (فصلت: 34).
هذه الآية تستدعي مُجاهدة النفْس بقوة الإيمان وتطوِيعها لتستقبِل السيئة بالحسنة، ويتحول لديها رد الفعل الغاضِب إلى رد حليم يحمي الإنسان، ما يترتَب على عدم السيطرة على النفْس من مُضاعفات لا يُحمَد عُقباها وتكون له القُدرة باستيعاب الطاقة السلبية للتحول بإيمانه بالله إلى طاقة إيجابية تحميه من التشاجُر الذي قد يؤدى إلى مشاكل جمة وصِراع بينه وغريمه.