ملفات خاصة

« آيات الجهاد » في خطاب «جماعات الإرهاب» (8)

الجماعات الإرهابية تتخذ الآية ذريعة لسفك الدماء واستباحة الأموال والأعراض بالباطل

كتب: حماد الرمحي

آيات الجهاد.. كانت ومازالت صورة مشرقة في تاريخ الإسلام حتى حرفتها عن معناها ووظيفتها الحقيقية الجماعات الإرهابية.

آيات الجهاد.. نزلت لحث المسلمين على القتال في سبيل الله دفاعاً عن الإسلام من أعدائه، ولكن جماعات الشر وتجار الدم حولوها إلى أسلحة شرعية لقتل الأبرياء وانتهاك الحرمات باسم الدين.

وفي سلسلة « آيات الجهاد » في خطاب « جماعات الإرهاب » نلتقي اليوم مع الحلقة الثامنة ونناقش فيه التفسير الدقيق والمعنى الحقيقي للأية رقم 73 من سورة التوبة حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

تبدأ الآية بخطاب مخصوص للنبي صلي الله عليه وسلم دون غيره، لأنه أعلم وأعدل وأحكم الناس، وهو النبي الذي لا ينطق عن الهوى كما قال تعالي: «مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5)» (النجم).

وبالتالي فإن أول الآية نداء مخصوص أي نداء اختص به النبي دون غيره من العالمين: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ…».. ثم يأتي الأمر بعد النبي، والآمر هو الله والمأمور هو محمد صلي الله عليه وسلم، فيقول له تعالي: «… جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ..» وهنا الأمر الذي تتخذه الجماعات الإرهابية ذريعة لسفك الدماء واستباحة الأموال والأعراض بحجة أن الله أمرهم بقتال الكفار والمشركين، وهو حق يراد به باطل، لأن الجهاد الوارد في الآية لا يعني الجهاد بالسيف والقتل، وإنما هو كما أكد العلماء آخر أنواع الجهاد، ويسبقه الجهاد بالكلمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد بالمال والإنفاق في سبيل الله، وجهاد النفس وهو أعظم الجهاد حتى  لا تستميلها إغراءات أعداء الإسلام فينقلبوا بعد إسلامهم مشركين أو كافرين أو منافقين.

قال بعض علماء التفسير: اختلف أهل التأويل في صفة «الجهاد» الذي أمر الله نبيه به في المنافقين فقال بعضهم: أمره بجهادهم بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه فإن لم يستطع فليكفهرَّ في وجهه.

وقال آخرون: بل أمره بجهادهم باللسان وليس بإطلاق السيف وسفك الدماء، وخير دليل على ذلك أن النبي ترك الكفار دون قتال، وترك المنافقين دون أن يسفك دمائهم رغم أنه كان يعلمهم اسماً إسماً ولكنه كان يجاهدهم بالحق والكلمة وكان يغلظ على المنافقين بالكلمة حتى يرتدعوا ويعودوا إلى رشدهم.

ولم يأمر النبي بقتال أحد من الكفار والمشركين إلا لصد الإعتداء عن المسلمين، أو دفع قتال أو مؤامرة تحاك ضد الإسلام والمسلمين، أو خائني العهود والمواثيق مع رسول الله صلي الله عليه وسلم والمتأمرين مع أعداء الإسلام، وهؤلاء هم المقصودون بقوله تعالى: «واغلظ عليهم» حتى لا يعودوا إلى فعلتهم.

ثم تنتهي الآية بحكمة سماوية بليغة ورسالة لكل عاقل وهي قوله تعالى: « وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» وهي رسالة  من الله سبحانه وتعالى للناس كافة يكشف فيها مصير هؤلاء الكفار والمشركين والمنافقين فيقول : وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، أي مصيرهم إلى جهنم وهي النار التي يعذب الله بها عباده المحاربين لدينه، ثم يصف مصيرهم في جهنم فيقول (وبئس المصير)، أي بئس المكان الذي يُصَار إليه جهنَّمُ.

وهنا أمر مجازي من الله إلى رسوله والمسلمين كافة، أنه لا سلطان لك علي الكفار والمشركين والمنافقين كما قال الله في سورة الكافرون صراحة « قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)».

وما عليك يا محمد إلا جهادهم باللسان «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، أو جهادهم باليد وهو «قتال الدفع» لصد أعداء الإسلام، أو جهاد بالقلب وهو «الدعاء لهم بالهداية».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى