الإسلام دعا لتحرير الفكر من الاستسلام
الخطاب الإلهي جاء ليحرر البشر من استعباد بعضهم لبعض

- آيات القرآن لا تخضع للشكوك - 2 ديسمبر، 2023
- التوحيد والعمل الصالح - 30 نوفمبر، 2023
- جذور الأحداث الكارثية - 28 نوفمبر، 2023
إنَّ رسالةَ الإسلام، التي بعثَ بها اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى رسوله محمدًا صلّى اللهُ عليه وسلم يحمِلُها في كتابٍ كريمٍ، ليهدي الناسَ كافةً، سَبيلَ الخيرِ والصلاحِ، وليُخرجَهم من الظلماتِ إلى النورِ، فيُحررَهُم من استعبادِ البشرِ للبشرِ، واستعْبادِ الأصنامِ لعقولِ الناسِ. وهكَذا جَاءَ الخِطابُ الإلهي ليُحرِّرَ الفِكرَ من الاستِسلامِ للأُمَمِ السابِقةِ، بإطلاقِ حُريةِ العَقيدةِ، وحريةِ التفكيرِ، لتَوظيفهِ في البَحثِ والاستنتاجِ، والإبداعِ واستنباط العلومِ في شَتى مَناحي الحَياةِ، من خِلال التوجيهاتِ الربّانيةِ في كتابهِ الكريمِ حينما ذكر الله في كتابِهِ الكريم بقولهِ تَعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنَ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَاَلٍ مُّبِينٍ﴾ (الجمعة: 2). وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فيها رَواسِيَ وَأنهارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فيها زَوجَينِ اثنَينِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ﴾ (الرعد: 3).
إنَّ الّذينَ يَتَمسكونَ باجتهاداتِ الأممِ السابقةِ، وما اعتمدتهُ من رواياتٍ اعتبروها حُجَّةً لآرائِهم ومعتقداتِهم، إذْ مضت العصورُ تلوَ العصورِ، تَجمد فيها العقلُ وارتدّ الفِكرُ خائفًا متراجعًا، حينما وجدَ أكثرُ الناسِ قد قَدّسوا أقوالَ من سبقَهم وآمنوا بها إيمانًا يقينيًّا وتشرّبتْ بها عقولُهم بما نقلوا لهم من رواياتٍ تُشجّعُ على الفتنةِ والتكفير والقتل، وأصبح كل من يحاول أنْ يلتزمَ بفريضةِ اللهِ بالتدبر في كتاب الله خائفًا مذعورًا من التهديدِ والانتقامِ، وتسفيه رأيه ومصادرة حقه، الذي منحه الله في التفكر والتدبر في ذاته وكونه وخلقه، وبذلك تحوّلَ شيوخُ الدينِ إلى أوصياءَ على الإسلام، وأصبحوا يُحاربونَ كلَّ من يَتجرأ أن يُقيم فريضةَ التفكيرِ، التي أمرنا اللهُ بها في كتابِهِ الكريمِ، حتى لا يكشف زيفَهم، وحتى لا يُسقط ادعاءاتهم وتفسيراتهم التي تتعارض مع مراد الله في آياتِه لخير البشرية ليحتفظوا بما تحقّق لهم من مكانةٍ اجتماعية تَرتّبَ عليها تحقيق مصالح مادية، ظلّوا يُحاربون كلَّ من يحَاول أن يتسبب في ضياع امتيازاتهم الدنيوية، ويصدُقُ عليهم قول الله تعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ (آل عمران: 23).
المصدر:
«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.