«الرزق» الحقيقي في محكم التنزيل
إذا أدركنا المعنى الشامل للآيات .. تطمئن نفوسنا ونرضى بما قسم الله

الجهل بمقصود آيات الخطاب الإلهي هو الذي يؤدي إلى الجهل بمعاني الكلمات الواردة فيه.
فنجد على سبيل المثال فهمًا خاطئًا للمقصود ب«الرزق» في القرآن، أغلب الناس تُقصِر الرزق على المفهوم المادي بل على المال على وجه الخصوص.
والحقيقة أن المعنى المقصود هو الرزق المادي والمعنوي معًا.
للرزق المعنوي أوجه كثيرة ذكرها الله في محكم التنزيل حيث قال تعالى :
«زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (البقرة:212)
فالمعنى المقصود هنا للرزق هو الإيمان الذي يُرزق به المؤمن ويُحرم منه الكافر.
وجاء الرزق أيضًا بمعنى الثواب في قوله تعالى:
«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (آل عمران:169).
وإذا أدرك المتأمل لآيات القرآن هذا المعنى الشامل تطمئن نفسه ويزيد عنده الرضا بما قسمه الله تعالى له، وينزع عن قلبه الحسرة والأسى على أحواله.
وإذا غفل عن المعنى الحقيقي ولم يدرك رزقه المعنوي الذي قد يبغضه عليه الآخرون، فقد يكون علم أو بصيرة أو ولد صالح أوغير ذلك من الأرزاق المعنوية، ظن جهلًا أن الله ضيّق عليه في الرزق أو حرمه ومنحه للآخرين.
هل سعة الرزق دليل محبة الله؟
فهناك اعتقاد خاطىء أن سعة الرزق المادي دليل لمحبة الله للعبد وأن التضييق في هذا الرزق هو غضب من الله سبحانه. وهذا اعتقاد غير صحيح بيّنه الله في قوله تعالى: «فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ» (الفجر:15-16)
وتردُ آيةٌ أخرى من الذكر الحكيم على هذا الاعتقاد في قول الله تعالى: «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ » (المؤمنون:55-56)
ويقول تعالى: «فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ» (التوبة:55 )
وقوله: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا » (المدثر /11:16)
وهناك فتنة قد يُصاب بها العبد بفكره المحدود عن الرزق، فيتقلّب بين الاستقامة والكفر ويربط ذلك بما يتحصّل عليه من الرزق والخير أو حرمانه .
قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ » (الحج:11)
فعلى المؤمن أن يعلم أن الرزق للناس جميعًا، والمقصود هنا الرزق المادي المحسوس، يهبه الله للمؤمن والكافر،وأن سعة الرزق ليست دليلًا على المحبة أو ضيقه دليل على عكس ذلك.