
نتساءل كثيرًا عن السبب وراء تلك الازدواجية الغريبة، التي يعاني منها المجتمع الإسلامي في الآونة الأخيرة رغم العبادات الظاهرة على الوجوه وفي الأحاديث المتبادلة بيننا، فنجد المرتشي تظهر على وجهه علامات أداء الصلاة، أو أن مرتادي الخمارات يتباهون بعدد مرات الحج والعمرة التي أدوها.
الإجابة عن تلك التساؤلات يكشفها لنا في الأسطر التالية، المفكر العربي، علي محمد الشرفاء الحمادي، ضمن صفحات كتابه «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث».
فيقول: «لماذا لم يخرج حتى يومنا هذا مَن يُطلِقها جليّة واضحة صريحة ويعتمدها في مقرَّرات التعليم، ويُعلن بصوتٍ مسموع أنَّ الشعائر الدينية وسيلة لأجل هدف وغاية سامية ترتقي بالفرد لمصاف الإنسانية العليا، تلك التي ينشدها هذا الدين من تقويم لشخصية الفرد ليكون عضوًا صالحًا في المجتمع يساهم في كل ما ينفع الناس ويصلح حالهم، تربى على الفضيلة والأخلاق النبيلة التي يدعو إليها الخطاب الإلهي في كتابه الكريم.
فالمبادئ والقيم والأخلاق من أجلها جُعلت الصلاة والزكاة والصيام والحج، وأن ما أطلقوا عليها أو حصروا تسميتها بـ «الأركان الخمسة للإسلام»، تجاهلوا أو غفلوا عن أنَّها مجرد وسائل موصِّلة لمقاصد وغايات عليا هي الأخلاق والقيم والمبادئ السامية التي ترتقي بسلوك الإنسان وتعامله مع الناس.
العبادات وسائل تدفع بالإنسان للإسلام الصحيح
إنَّ جملة الممارسات والشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج، هي في الأساس وسائل تدفع بالإنسان إلى الوصول إلى الإسلام.. الذي هو جملة الأخلاق التي جاء بها القرآن، ودعا إليها النبي- عليه الصلاة والسلام- والأنبياء من قبله.
وهذه الوسائل تكمن قيمتها بالتدبر في القرآن لمعرفة مُراد الله- تعالى- في آياته لصالح عباده من التربية بالأخلاق النبوية والتزكية بطهارة القلب وكبح جماح النفس عن الظلم والاعتداء على الناس والافتراء بدافع القوة أو الثروة أو السلطة والمكانة الاجتماعية.
فغاية التذكير والتربية والتزكية عبادة الله، وتفعيل دور الأخلاق في الممارسات البشرية لصلاح المجتمع الإنساني، والاستخلاف في الأرض وعمارتها، ليصلوا بذلك إلى تحصيل السعادة حينما يتحقق للناس الرحمة والعدل والحرية والسلام، وتكون الكلمة الطيبة وسيلة التخاطب بين الناس لتتحقق الألفة والمودة والتراحم وليعيش جميع الناس في أمن وسلام.
وإن ما يردّدونه ويطلقونه في شعار أركان الإسلام المختزلة ليس بمستغرَب. فلا يوجد نص في كتاب الله، القرآن المجيد يَدُل عليه، ولا توجد آية تتحدث عنه في الخطاب الإلهي والذي يصادم مفهومًا قرآنيًّا واضحًا، حين لا تكون الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية العادلة موجودة ضمن أركان الإسلام التي تدعو لها رسالة الإسلام والتي أنزلها الله على رسوله الكريم مما يعني أننا تعبّدنا بالمظهر وتركنا الجوهر الذي هو الغاية السامية لرسالة الإسلام.