رؤى

الطلاق قضية مجتمع

من القضايا المهمة التي تمت مناقشتها في الحوار الوطني

الدكتور القس/جرجس عوض
Latest posts by الدكتور القس/جرجس عوض (see all)

من القضايا المهمة التي شغلت الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية وتمت مناقشتها في الحوار الوطني وشرفت بالتواجد في جلسات الأسرة وهي قضية الطلاق ومشاكل ما بعد الطلاق.

هذه القضية ليست مشكلة فرد أو أسرة، لكنها مشكلة مجتمع، فإن صحّت الأسرة، صحّ المجتمع. ومن هذا المنطلق دعونا نتعرف على بعض مفاهيم الطلاق: أولاً الطلاق في المفهوم اللغوى: طلَقَ يَطلُق، طَلاَقٌ والمفعول مَطْلوق طلَق المسجونُ: تحرَّرَ من قيده طَلَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا: تَحَلَّلَتْ مِنْ قَيْدِ زَوَاجِهَا، تَرَكَتْهُ، وخَرَجَتْ مِنْ عِصْمَتِهِ.
إذاً الطلاق هو تحرير سواء من عبودية الطرف الآخر، أو من سجن الطرف الآخر، إذاً بحسب المصطلحات اللغوية لا يتم الطلاق إلا حينما يشعر أحد الطرفين بالسجن أو العبودية، أما عن السجن، فهناك الكثيرون الذين يعانون سجونًا نفسية مثل الشك في الطرف الآخر، والشعور بعدم الأمان أو البخل سواء في العطاء أو الحب أو التقدير وهناك سجن التعالي والكبرياء وعدم الاعتذار عن الأخطاء، وهناك سجن الاستعباد وقد يستخدم مع شريك حياته كل أنواع التعذيب البدني والنفسي وهذه الأفعال غير الأخلاقية تدل على الشعور بالنقص، وقد ينتج عنها الخيانة الزوجية أو الانتقام وربما القتل، وإن كان الزوج أو الزوجة يرتاب في الآخر فما بال الأطفال، أما عن العبودية فهناك أشخاص مستعبدون بإدمان المخدرات وقد ينتج عنها استخدام واستغلال زوجته من أجل جرعة مخدرة ولما لا، فقد باع نفسه أولاً، وبالتالي ترخص في عينيه زوجته وعائلته.

ثانيًا: الطلاق في مفهوم التجارة: وقد قيل إن أردّتَ أن تسافر براً، فكر مرة، وإن أردّتَ أن تسافر بحراً ففكر مرتين، وإن أردّتَ أن تسافر جواً ففكر ثلاث مرات، وأردّتَ أن تتزوج ففكر سبع مرات، وأما إن أردّت أن تطلق ففكر 1000مرة . لكونه مشروعًا فاشلًا ولا سيما إن كان الطلاق تعسفيًا فهو خسارة في كل مجالات الحياة، خسارة جسدية ونفسية ومادية واجتماعية وتحصد فشله أجيال متعددة.

ثالثًا: الطلاق في المفهوم الهندسي: هناك بيت مبنى على الرمال وهناك بيت مبني على الصخر، اجعل بيتك مبنيًا على صخر الإيمان والمثل والأخلاق والقدوة واعلم يقيناً أنه حتماً ستأتي الرياح والسيول وهناك من يثبت وهناك من ينهار، والزوج والزوجة يمثلان عمودى الأسرة، فإن حدث خلل ما في أحد العمودين سقط مبنى الأسرة بالكامل على كل الساكنين، ومن ثم تعمّ الخسارة على الجميع.

رابعًا: الطلاق في المفهوم الديني: الطلاق هو الحلال البغيض عند الله والدين بمعنى أنه الحلال المكروه، أي أن الله يكره الطلاق كما يكره المعصية بكل أنواعها وفي القرآن الكريم: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون»َ.

وهذا يتفق مع ما جاء في سفر التكوين تك 2: 21 فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم.

فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت.

ومن خلال هذا المقال أناشدكم باسم الله والدين، باسم الإنسانية والضمير، باسم الروابط الزوجية التي جمعتكم لتكونوا تحت سقف منزل واحد، باسم الأطفال المشردين التي انتهكت براءتهم بسبب افتراق الزوجين باسم الأطفال الحالمين أن يسكنوا في دفء العائلة الواحدة, باسم السيدات المطلقات اللائي يتعرضن للابتزاز والتحرش والاستغلال، باسم المراهقين الذين اقبلوا على الإدمان بسبب الخلافات الأسرية وطلاق الزوجين، باسم الشباب العازفين عن الزواج بسبب غياب القدوة داخل الأسرة، باسم هؤلاء جميعًا، ألا تتخذوا قراراً بالطلاق فإن الذي يجمع الأسرة أكثر بكثير من الذي يفرقها، وإن اتخذت القرار بالطلاق عليك أن تتعامل مع طليقتك بالود والرحمة والرجولة، وأن ما تنفقه في ساحة القضاء أولى به من كانت يومًا زوجتك وما زالت أمًا لأولادك، واعلم يقينا أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد، وأن الحصاد هو أضعاف الزرع، ويا رجال الدين، نحتاج أن نعيش روح الدين، وليس حرفية النص.

نقلًأ عن «الأهرام»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى