
الطلاق والخلع وجهان لعملة واحدة وهي الانفصال بين زوجين.
وقد تعامل القرآن الكريم مع المسألتين باعتبارهما مسألة واحدة، بمعالجة الأسباب المؤدية إليهما بالبداية،
وعندما تُمعن النظر في آيات القرآن ستجد أن ما جاءت به العلوم الحديثة الآن كعلم الاجتماع، في التعامل
مع المشكلة نفسها والوقاية منها موجود كله في القرآن، لكننا لا نتدبره جيدًا.
في البداية وضح القرآن الهدف من الزواج فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الروم: الآية 21).
وهو بهذا يحض على حسن العشرة بين الأزواج، باعتباره أول صمامات الأمان لقيام أسرة سعيدة تقل فيها الخلافات والمشكلات، وإن حدثت فإنها تحل في دفء حسن العشرة، بلمسة لطيفة من أحد الزوجين تعيد الأمور إلى نصابها.
ظاهرة الطلاق
الطلاق كظاهرة يمكن الحد منها إذا اعتنى الجميع بهذه التوعية، فالعلاقة بين الزوجين يجب أن تُبنى على الاحترام والتقدير ومراعاة كل من الزوجين حقوق الآخر ومراعاة مشاعره، الأمر الذي يجلب المحبة والمودة وتسود به الألفة.
ثم أمر القرآن الزوج بالإحسان إلى زوجته، وحسن عشرتها وإنصافها، فقال:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (سورة النساء: الآية 19).
وهذه اللمسة تصل النفس بالله، وتهدّئ من فورة الغضب والكراهية حتى يراجع الإنسان نفسه في هدوء، وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الريح فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى بأمر الله جل شأنه وهي أوثق العرى.
ثم لفت القرآن انتباه الأزواج إلى البعد عن كل ما يشين العلاقة الزوجية، وأهمها الخيانة، وهي أحد الأسباب الرئيسة للطلاق والخلع، فقال:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (سورة المؤمنون: الآيتان 5، 6).
القرآن عالج المشكلة
الطلاق عالجه القرآن، فنصح الزوجين بالاعتدال في الإنفاق ومراعاة الزوجة لظروف زوجها المادية، فقال:
(لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (سورة الطلاق: الآية 7).
ثم تأتي الخلافات الزوجية، والتي لا يخلو منها بيت، وقد عالجها القرآن الكريم أيضًا، بقوله:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (سورة النساء: الآية 34).
وقد تدرج كما جاء بالآية في المعالجة، إذا كانت الزوجة هي السبب، فبدأ بالتوجيه، والوعظ ترغيبًا وترهيبًا، والتذكير بأمر الله، والتحذير من غضبه الموجب لمقته وعذابه، وتتدرج المعالجة بتدرج النفس، وحالة القلب، فمن لم يجد معها الوعظ والتوجيه انتقل العلاج معها إلى الهجر في المضجع لا هجر المضجع، ولا هجرًا في البيت بل هجرًا بينه وبينها، تحس فيه بعِظم ما اقترفت من ذنب، فتراجع نفسها.
أما إن كان الزوج سبب المشكلة، فالحل أيضاً في القرآن:
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (سورة النساء: الآية 128).
وهنا العلاج يكون بالصلح والمصالحة، وليس بالطلاق ولا الفسخ، فقد يكون بالتنازل عن بعض الحقوق المالية أو الشخصية بما لا يتعارض مع الشرع، وذلك محافظة على الحياة الزوجية فالصلح خير من الشقاق والجفوة والطلاق.