
كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يتصف بأنه قرآنٌ يمشي تأكيدًا على تطبيقه كل الصفات النبيلة، وعناصر الفضيلة في سيرته وتعامله مع الناس، ولذلك وصفه الله سبحانه: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» «القلم: 4»، وقوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107).
وهذا ما يوضحه المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي في الكتاب الصادر عن «مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير» بعنوان؛ «الله نزل أحسن الحديث».
تأثير صفات وعناصر الفضيلة على الإنسان
يقول الأستاذ علي الشرفاء: فهل من يمارس تلك الصفات سيدعو الناس لقتل الأبرياء أو الاعتداء عليهم أو إقصاء من يخالف دينه أو عدم رد السلام على من يؤمن بدين آخر أو يعتدي على حقوق الناس أو يتكلم عنهم في غيبتهم أو يستولي على حقوقهم.
ويؤكد على أن تلك الصفات التي وصفها الله لسلوك رسوله تفرّق بين المسلم المؤمن وبين المسلم الذي يهتم بالشعائر فقط فيصبح مسلمًا اسمًا ويهمل اتّباع الرسول في أخلاقياته ومعاملاته، والله سبحانه وصف المسلم بقوله: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (فصلت: 33).
ارتباط القول بالعمل الصالح
ويشير إلى ارتباط القول بالعمل الصالح، كما جاء في القرآن الكريم بأنه أداء فروض العبادات في أوقاتها وتحقيق غاياتها وفق مراد الله وتطبيق التشريعات الإلهية والالتزام بالأخلاقيات في العلاقات الإنسانية وعمل واتخاذ الرحمة مبدأً في العلاقات الإنسانية والعدل، قاعدة أبدية والأخلاقيات سلوكاً ومعاملةً بينَ الناس وأداء العباداتِ، وما تتطلّبه من تأديتها في أوقاتها من صلوات وصوم وزكاة وحجِّ بيتِ اللهِ الحرام، وليس المسلم من صلّى وحجّ فقط، وأدّى الزكاة، ولكن من سعى لتحقيق مقاصدها كما قال الله سبحانه في القرآن الكريم: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ…» (العنكبوت: 45).
ثم يوضح الأستاذ علي الشرفاء أن ذلك هو الهدف الأسمى لأداء الصلاة، فإذا لم تكن الصلاة تنهىَ الإنسان بعد أداء صلاته فلا قيمة لصلاته، لأنها لم تحقّق الهدف منها بالامتناع عن الفحشاء والمنكر؛ فليست الصلاة مجرّد حركات رياضية ولكنها تأكيدٌ من المصلي أنه على عهده مع الله بأن صلاته ستنهاه عن الفحشاء والمنكر وكل ما يغضب الله سبحانهَ سواءً كان مع الله أو كانت مواقفه مع الناس، كما قال الله سبحانه في شَأن الزكاة: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة -262).
اتباع المعروف بالمن والأذى
ويشير إلى عدم اتباع المعروف بالمن والأذى فيقول: أن من يؤدي فرض الزكاة وحتى يقبلها الله منه ويكافئه على تأديتها من الحسنات فعليه ألاّ يَمُنَّ بها على الناس، ولايؤذيهم بالقول أو الفعل.
ويستنكر ما يفعله بعض الدعاة من أعمال التضليل: كما أن الله سبحانه يحذر دعاة الإسلام وشيوخ الدين والفقهاء من التعتيم على الناس من حقائق أهداف الآيات ومقاصدها من الخير والعمل الصالح للإنسان وما يكتمونه عن مراد الله في الآيات ويخدعون المسلمين من التوجيهات الربانية في الذكر الحكيم الذي يحقق منافع للناس في الحياة الدنيا ويكسبهم رضى الله، ليكافئهم في الآخرة جنات النعيم يحذّر الله المسلمين من أن يكتموا ما أنزل الله على رسوله الأمين من البينات والهدى حيث يقول الله سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (البقرة: 159)
وقال الله سبحانه في تحذير آخر، للذين يكتمون، ما أنزل الله: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (البقرة -174).
دعوة صادقة
ويدعو الأستاذ علي الشرفاء المسلمين أن لا يصدّقوا كلّ الروايات المنسوبة للرسول والمزوّرة عليه من إسرائيليات وأساطير مكذوبة عليه، وأنهم سيتحملون وِزرَ ما افتروا به على الله ورسوله يوم الحساب مسؤولية من نقَلها أو روَّجها أو نشرها أو آمن بتلك الروايات ويكون مصيره اللّعنة من الله ويُلقىَ في جهنم، وسيواجه يوم الحساب العذاب العظيم حيث يقول سبحانه: «قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» (يونس: 69).
ويؤكد على ضرورة أنه على المسلمين الاقتداء بسنة الرسول عليه السلام التي ذكرتها كثير من آيات القرآن الكريم بطاعة الله في تطبيق شرعته ومنهاجه كما قال الله سبحانه: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (الأحزاب: 21).
بالمؤمنين رءوف رحيم
ويلفت الأستاذ علي الشرفاء إلى أن الله يصف رسولهَ بقولهِ سبحانَه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (التوبة : 128).
وكما خاطب الله رسوله بدعوة المسلمين لِيُحبّوا اللهَ باتباع ما بلغهم به رسوله الأمين من آيات الذكر الحكيم بقول الله سبحانه: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (آل عمران:31).
سنة الرسول كما جاءت في الخطاب الإلهي
ويضيف موضحًا كيف تكون سنة الرسول كما جاءت في الخطاب الإلهي: فالرسول عليه السلام يتمنى للناس جميعًا أن يكونوامرضيًا عنهم من الله سبحانه ويحبهم ليغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم في الدنيا والآخرة، ويبين لهم الرسول الطريق المستقيم ليحبهم الله باتباع رسوله القدوة والنموذج الذي يطبق شرعة الله ومنهاجه في حياته وتعامله مع أقربائه وقومه وكل الناس بصفات المؤمنين الصادقين الذين جاء وصفهم في القرآن الكريم عبادة وأخلاقاً وتعاملًا بما يرضي الله، لأن الرسول عليه السلام حريصًا على عباد الله يرجو لهم الخير والصلاح ويبين لهم سبل الخيرات ويدعوهم إلى جنات النعيم في الآخرة ومن التزم بشرعة الله ومنهاجه في حياته واتبع كتابه، سيجعله الله يعيش جنته وسعادته في الدنيا ويجزيه في الآخرة جنة النعيم خالداً فيها أبداً، ومن أعرض عن اتباع كتابه المبين سيجعله الله يعيش حياته في ضنك وشقاء وجحيم، كما قال الله سبحانه: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ» (طه- 124)، ويوم القيامة جزاؤه جهنم وبئس المصير