
- جذور الأحداث الكارثية - 28 نوفمبر، 2023
- مبادرة السيسي والدولة الفلسطينية - 26 نوفمبر، 2023
- السلام أساسه العدل - 25 نوفمبر، 2023
«إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا» (الإسراء: 9).
استطاع المتآمرون على رسالة الإسلام وأعداء الله أن يُنشِئوا روايات تتعارض مع قيم القرآن وسماحة الدين الإسلامي، حين استطاعوا أن يمزقوا وحدة الرسالة الإلهية إلى مرجعيات متناحرة متصارعة ومتقاتلة، من خلال ترسيخ مبادئ الخطاب الديني على حساب الخطاب الإلهي، واعتماد الروايات المُفتراة على الله ورسوله أساسًا وسندًا لتفسير القرآن وأحكام آياته، وإغفال الآيات البينات، ومراد الله فيها من تشريعات لمنفعة الإنسان، وهدايته إلى طريق الخير والصواب، ويحميه من كل ما سوف يُسبّب له من إيذاء، ويُجَنّبه من الأخطاء، ويُرشده إلى اِتباع تعليماته وتشريعاته وعظاته في تعامله مع أقربائه ومجتمعه، ويبيّن له طريق الإرتقاء بالعلاقات الإنسانية فيما بينه وبين الناس جميعًا من خلال القيم الأخلاقية السامية.
ولذلك لابدّ من التفريق بين الخطاب الإلهي، والخطاب الديني.
فالخطاب الإلهي مصدره ومرجعيته الوحيدة القرآن الكريم، هو كلمة الله وآياته، حيث أمر رسوله الكريم بأن يبلّغها للناس كافة في كِتاب كريم- قرآن مبين- يستهدف سعادة المجتمعات الإنسانية معتمدًا على عبادة الإله الواحد، فقد وضع لهم خارطة طريق تخرجهم من الظلمات إلى النور بتشريع أساسه الرحمة، والعدل، والسلام، والأخلاق، لتهذيب النفس البشرية والارتقاء بها وبالقيم النبيلة لنشر المحبة بين الناس والتسامح والإحسان والتعاون على البِر والتقوى، حيث يقول سبحانه:
«إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا» (الإسراء: 9).
أما الخطاب الديني، فقد اعتمد على روايات ليس لها سند أو دليل من المنطق، تتناقض مع آيات الله، تتخذ من خطاب الكراهية والتكفير ضد من لا يتبع منهجهم، ويُحرّضون على قتل الأبرياء، ويصادرون حقَّ الإنسان في اِختيار عقيدته، ويُشعلون الفِتن في المُجتمعات المسالمة، ويستبيحون كل ما تُطال أيديهم من أموال وثروات واستحلال حقوق الناس، ويدفعون الشباب لتفجير أنفسهم مُقنعيهم بوعود ضالة وكاذبة بالجنة وما فيها من حور عين وقصور، ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، وهم أعداء للحضارة وضد التطور، يسعون للتدمير، أعداء الحياة وأعداء لشرع الله في كل ما أمر به الله من عمل الصالحات والمعروف واستباق الخيرات ونشر السلام لبني البشر جميعًا.
ظهور مرجعيات دينية متعددة ومتناقضة
أسس الخطاب الديني، الذي اعتمد على الروايات، لظهور مرجعيات دينية متعددة ومتناقضة، خلقت طوائف عديدة في المجتمعات الإسلامية، وكل طائفة تعصبت لمرجعيتها، فتفرّق المسلمون في المجتمع الواحد، وتسبب ذلك في صراع فكري تصادمي، تحوّل بعد ذلك إلى اقتتال بين المسلمين في المجتمع الواحد.
بَعث الله سبحانه وتعالى محمدًا ﷺ، ليحمل للناس كافة كتابًا مباركًا، القرآن الكريم، ليُخرجهم من الظلمات إلى النور، وليهديهم طريق الخير والصلاح، إذ يقول سبحانه وتعالى لنبيّه محمّد ﷺ:
«كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ» (ص: 29).
وقوله سبحانه وتعالى: «المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (3)» (الأعراف).
وقوله سبحانه وتعالى: «الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)» (البقرة)
وقوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (المائدة: 67).
إنه أمر من الله جل وعلا لرسوله، بأن يُبلّغ الناس جميعًا آياته ويتدبروا ما فيها من عِبر وتعاليم، وقيم وتشريعات تُنظّم العلاقات الإجتماعية بين الناس على أساس التعاون والمحبة والعدل لبناء مجتمعات الأمن والسلام. تعيش في وئام وتسعى للخير، تتحد لدفع الضّرر، وتتبع الله فيما أمر، تنفيذًا لأمره تعالى في سورة المائدة (الآية الثانيةِ)، حيث جاء في سياقها:
«..وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِۚ..» (المائدة: 2).
المصدر:
«ومضات على الطريق (الجزء الثاني) – مُقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي»، والصادر عن مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.