القرآن رسالة الإِسلام (3-6)
لا تنحصر مسؤولية تصويب الخطاب الديني في طائفة أو مذهب أو فرقة أو جماعة

ما كانت رسالات السماء للناس منذ أن خلق الله السماوات والأرض إلا دعوة لبني البشر لتوظيف العقل، في التدبر في آياته وتعليماته التي تأمر الناس باستكشاف المعارف والعلوم والأسرار الكامنة في جوف الطبيعة وما يخبئه الكون من نظام يستفيد بمعرفته الإنسان لمنفعته، وليتسنى للبشر استنباط قوانين الحياة التي أودعها الله حول الإنسان حيثما كان، ليقوم بنو الإنسان على عمارة الأرض، على أساس من العدل والسلام والرحمة والتعارف، والتودّد فيما بين الناس بعضهم البعض.
تأكيدًا لقوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ..» (الحجرات: 13).
إنَّ هذا المقال إنما هو دعوة للمثقفين والمفكرين وعلماء الأمة المنوط بهم إخراج الأمة من مأزقها، لتصويب المفاهيم في الخطاب الديني وما تسبب فيه لرسالة الإسلام من تشويه وتزوير وعبث في تفاسير القرآن، وتوظيفها في خدمة المصالح الدنيوية سياسية أو مادية أو مؤامرات لطمس قيم الرحمة والعدل والحرية والسلام، خطط لها ألدّ أعداء الإسلام وهُم اليهود، وتلقّاها بعض المنتفعين الذين تبنوا مرويات الإسرائيليات والروايات التي ضخوها في مرجعية الإسلام نُسِبَت زورًا وبهتانًا للرسول- ﷺ- لتشويه رسالة الإسلام. ليتحقق لهم صرف الناس عن دين الإسلام والتصديق بالمنقول وإقناع غالبية المسلمين بها، حين رفعوا أصحاب الروايات إلى درجة التقديس، وأحاطوهم بسور من المحرّمات في نقدهم أو أي محاولة لتقييم رواياتهم، حتى وصلت بهم تلك القناعات إلى أن الروايات أهم من الآيات بل تعلو على كلام الله سبحانه، علمًا بأن تقديسهم لقيم تراث الأولين واجتهاداتهم وأحاديثهم وما تم توريثه للناس من روايات وإسرائيليات وأساطير ليست من الإسلام في شيء، ولا تلزم المسلمين اتباعها، ولا تتفق مع ما أنزله الله على رسوله الأمين من آيات في القرآن الكريم الذي أنزله الله للناس هداية للعالمين وليخرجهم من الظلمات إلى النور لينشر الرحمة والعدل والسلام بين الناس.
وقفة مع القرآن الكريم
فهي وقفة إذن ومسؤولية أمام الله اتساقًا مع قوله سبحانه وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًاۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (البقرة: 174).
تحذير لكل من قرأ القرآن وعَلِم مقاصد آياته لمنفعة البشرية، وكتَم معرفته بها ولم يُعلِنها على الناس، ولم يوضح دعوة الحق، فكأنما خان اللهَ ورسولَه وكتم ما علمه الله من آياته.
ولا تنحصر مسؤولية تصويب الخطاب الديني في طائفة أو مذهب أو فرقة أو جماعة، فكل المسلمين يجمعهم كتاب واحد ورسول واحد يدعوهم باسم الله العظيم للتعاون والبحث الجاد المتجرد للتدبر في كتابه الكريم وصولاً لمفهومٍ موحدٍ تلتئم عليه الأمة، والوقوف على مقاصد ما عنته وبينته آيات القرآن من قيم الرحمة والعدل والحرية والسلام والتسامح، ونشر المحبة والتعاون بين الناس، وعدم الاعتداء على حياة الناس وعلى حقوقهم، وتحريم الظلم بين بني الإنسان، ليتحقق لهم الأمان والاستقرار، وتتنزل عليهم رحمة الله وبركاته، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.
من أجل ذلك، يجب أن يتم تجنيب الروايات وما ساقه الأقدمون من تفسيرات وتشريعات وروايات وأحكام أفتُريت على الله ورسوله بالكذب والتزوير، ليصبح القرآن وحده مرجعية وحيدة لرسالة الإسلام، كما قال سبحانه:
«المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» (الأعراف: 1-3).
القرآن هو المرجعية الوحيدة للإسلام
على أن يتولى المفكرون والمثقفون والعلماء، في مختلف مجالات الحياة، وفي قناعتهم وعيٌ تام ويقينٌ ثابت بأنه لا مرجعية للدين الإسلامي سوى مرجعية واحدة، ألا وهي كتاب الله الذي أنزله على رسوله- محمد ﷺ- والذي أمره سبحانه بإبلاغه للناس كافة..
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (المائدة: 67).
وقوله تعالى: «نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ» (ق: 45).
يحدد الله سبحانه في التكليف الإلهي لرسوله في الآية السابقة، منحصرًا في التذكير بالقرآن فقط وتعريفه للناس، مقاصد آياته وما فيها من قواعد تشريعية تحقق العدل وتهدي الناس إلى طريق الخير والصلاح والحياة الآمنة.
فلا طغيان ولا بغي ولا عدوان، بل رحمة وتعاون وأمان، لا بؤس فيها ولا شقاء ولا خوف، يتحقق لهم التكافل الاجتماعي، حتى لا يظل سائل يندب حظه، ولا مسكين فقد دربه، ولا فقير يبحث عن قوته.
فالقرآن- ولا كتاب غيره هو رسالة الله سبحانه للناس أجمعين، الذي تضمنت آياته الرحمة والعدل والحرية والسلام والعيش الكريم لبني الإنسان.
لقد امتثل نبينا- ﷺ- للتكليف الإلهى وبلَّغ الرسالة، وأدّى الأمانة..
فلتتضافر جهودنا جميعًا من أجل رفع الظلم الذي وقع على كتاب الله حين طغت الروايات على الآيات، وليعلو صوت الحق وكلمات الله جليّة مجلجلة في السماء، تتردد آياته في الأرض حتى قيام الساعة، ألا نتخذ من دون القرآن مرجعية، أو أن تزاحمه روايات أو اجتهادات بشرية فتنتقص من عليائه الذي علا كل الأشياء حكمةً وبيانًا ونورًا.