القرآن رسالة الإِسلام (4-6)
لماذا انصرف المسلمون قرونًا طويلة عن اتباع الكتاب المبين الذي بلَّغه الرسول للناس؟

لقد كانت قوى الشرِّ متربصة ومستنفرة للهجوم على دين الإسلام وحاولت بشتى الوسائل اغتيال رسالته، رسالة الحرية والعدل والمحبة والسلام.
وهكذا استدعت تلك القوى شياطينها ومفكريها، ليبتدعوا أخبارًا ملفقة، وإشاعاتٍ مزيفةً، وأحداثًا مزورة، وأساطير إسرائيلية.
اختلقوا الدّعايات المضللة ونسبوا الكثير من ذلك إلى رواياتٍ عن الصحابة واجتهاد العلماء الذين اعتمد كل منهم على مصادره الخاصة، فتكونت زعامات دينية متعددة اتخذت من الروايات مصادر لمساعدة الخلفاء في تمكين سلطتهم وحماية مُلكهم تحت غطاء ديني، وحرّفوا مقاصد الآيات لتخدم أهدافهم الدنيوية ليتقربوا من السلطان، ويقتاتوا مما يغدقه عليهم من مال ومكانة، مُسخَّرين في إقناع الناس بعدله ورحمته لهم حتى يتحول إلى اختزال الدولة والشعب في شخصه. وهكذا كان دور الكهنة في العصور الغابرة منذ أيام الفراعنة.
فليصوّب المسلمون مسارهم اليوم، وفق قواعد كتاب الله المُحكم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لنكون وبحق الأمة الوسط التي تأمر بالمعروف والعدل، تحمي حق الحياة للناس، تدعو للخير والعمل الصالح، تقف مع المظلوم وترد الظالمين، تُحرِّم الفساد في الأرض، تحمي حق الحياة للناس جميعًا، تدافع عن حرية الإنسان في عقيدته، وتحترم رأيه فيما يحقق مصلحة الناس، تقف ضد العدوان بكل أشكاله، تشجع على العلم والبحث والمعرفة، تسعى لكل ما ينفع الإنسان ويحقق لهم السلام والأمان والعيش الكريم، تنشر التسامح والمحبة بين البشر تحمى العدالة ليأخذ كل انسان حقه.
وليكن تصويب الخطاب الديني هو تكليف الله لعباده الذين يتدبرون آياته، ويرشدون الناس لبيناته، يوضحون لعباده مقاصد تشريعاته وعظاته، ليعلموا ما يريده الله لخلقه من خير في الحياة الدنيا وما يحذرهم منه يوم الحساب ليجعلوا أعمالهم في الدنيا من عمل الصالحات تمهيدًا ليوم القيامة:
«لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (النور: 38).
إن فيه تقربًا إلى الله، كما فيه الخلاص والنجاة باتباع ما أنزله الله على رسوله قبل يوم الحساب.
فكما أمر الله المسلمين بالتدبر في كتابه الكريم، فإن جميع المسلمين اليوم مدعوّون لدراسة الأسباب التي أدت للخلاف والاختلاف، والفرقة بين المسلمين، وانتشار الفتن بين الصحابة ومن تلاهم من الأجيال الذي نتج عنها الاقتتال وسفك الدماء بين الأخوة والأقارب وهم تخرجوا من مدرسة محمد- ﷺ.
فكم من ألوف الأرواح قد زهقت؟
وكم من آلاف الرؤوس قد قُطّعت منذ وفاة الرسول وحتى يومنا هذا؟
وليسأل الدعاة والوعاظ والعلماء وشيوخ الدين أنفسهم السؤال الآتي قبل أن يُسألوا يوم الحساب:
لماذا انصرف المسلمون قرونًا طويلة عن اتباع رسالة الإسلام التي بلَّغها رسول الله للناس في كتاب مبين؟
لماذا ابتعد المسلمون عن تطبيق التشريع الإلهي وأحكام آياته، والالتزام بتطبيق شريعة الله وما تضمنته من القِيم والأخلاق الرفيعة الداعية للخير والمحبة والعدل والسلام والرحمة؟
ومن أجل الإجابة الصادقة، لا يمكن أن نصل لمعرفة الحقيقة إلا بالتدبر في قرآنه، والتعرف على دلالات آياته ومراميها العليا لمصلحة من خلقهم سبحانه وتعالى، فهو الرحيم بهم، ولأجل هذا وضع لهم القواعد التي تضيء لهم طريق الحياة وتحميهم من الضنك والشقاء والخوف والبؤس والاعتداء على بعضهم ظلمًا وعدوانًا، سخَّر للناس كل مخلوقاته وكرّم الإنسان ليستمتع بنعمه فوق الأرض وفي باطن الأرض، كي تكون طوعًا لبني الإنسان وفي حاجته.
إذن، لا مناص للمسلمين إلا بالعودة إلى المرجعية الأم والأوحد والأعلى، مرجعية القرآن الكريم، كي لا ترتهن عقولنا لمرجعيات دينية من بني البشر، بعد أن أضفوا عليهم حُللاً من القداسة والغلو واتخذوا أحاديثهم ورواياتهم حُجة على رسالة الإسلام -القرآن الكريم-، مما جعل أكثر الناس ينصرفون عما أنزله الله على رسوله في كتابٍ مبين.