نور على نور

القرآن مرجعيتنا للتشريع

لم يمنح الله الأنبياء في مختلف العصور حق إصدار التشريعات

Latest posts by المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي (see all)

لقد علم سبحانه وتعالى بعلمه الأزلي بأن عبادَه من المسلمين سوف يهجرون القرآن، وسيؤدي ابتعادهم عن كتاب الله إلى تفرقهم وتشرذمهم، بل حدوث التصادم بين الفِرق المختلفة التي اتبعت كل فرقة منها مذهبًا أو عقيدةً، صاغها مفهوم بشري ونقلها رواة من قصص لا تتوافق في كثير من الأحيان مع القرآن الكريم، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زورًا وظلمًا. فما كان الله ليمنح الأنبياء في مختلف العصور حق التشريع، ولو حدث ذلك لكان حدث تصادم بين تشريع الخالق رب السماوات والأرض العليم الخبير، وبين الرسل والأنبياء الذين هم بعضٌ من خلقِه، لا يملكون حق التشريع، إنما أمرهم سبحانه بحمْل رسالته للناس كما هي دون إضافة أو حذف أو تعديل، ولذلك:

1ـ أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله:

“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا”، وحبل الله هو القرآن وهو يعلم سبحانه بأن عدم اتباع القرآن سيجعل الفرقة تحل بين المسلمين، ولذلك حذّر سبحانه عباده بالالتزام والتقيد بالقرآن الكريم حتى تمنع أسباب الفرقة.

2ـ لقد جاء في سورة “الجاثية الآية 6”:

“تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ”، إنه تحذيرٌ واضح وتحدٍّ بعدم اتباع أي روايات أو أحاديث أو مفاهيم بشرية تخالف كلام الله، وتم إضفاء القدسية على تلك الروايات وما فيها من تناقض صادم في بعض الأحيان، فالله يريد لعباده التمسك بما جاء في كتابه العزيز ليحميهم من الوقوع في الصراع والتقاتل، ويريد لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن تكون لهم مرجعية واحدة وهي القرآن فقط.

3ـ لقد جاء في سورة “الفرقان، الآية 30”:

“وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا”، لتؤكد هذه الآية الكريمة بأن رسول الله يشتكي المسلمين إلى الله بأنهم هجروا القرآن مُنبهًا ومُحذرًا من خطورة الابتعاد عن التقيد بأوامر الله وتشريعاته فيما نص عليه القرآن الحكيم دستور من الله لعباده ليضيء لهم طريق الحياة، ويعينهم على تحقيق السعادة في الدنيا، ويؤمن لهم حياة طيبة في الآخرة ويسكنهم جنات النعيم.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي لله أمة الإسلام، بأنهم هجروا القرآن، ويحذر المسلمين من تصديق أو اتباع أي روايات تواترت على مر السنين، تدّعي على لسان رسول الله ما لم يقُله، بغية تحقيق مصالح دنيوية تدعم السلطان وتهدم مرجعية القرآن من قِبل أعداء الله وأعداء المسلمين.

4ـ لقد وضع الله سبحانه وتعالى تشريعًا لخلقه مبنيًّا على حرية الاعتقاد والعدالة بأعظم صفاتها، حيث يقول سبحانه: “فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”، وآية أخرى في سورة يونس، آية 99، يخاطب نبيه: “أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”، ويؤكد في آية “22” من سورة الغاشية: “لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ”، ويوضح صلاحيات الرسول صلى الله عليه وسلم “لست عليهم بحفيظ” و”لست عليهم بوكيل”، فمن أعطى لأي مخلوق حقًّا أن يكون قاضيًا في حق الله يكفر من يكره ويزكي بالتقوى من يحب؟ كيف غابت تلك الآيات الكريمة عن الذين نصّبوا أنفسهم قضاة على العباد يقضون فيما لا يحق لهم ويحكمون ظلمًا على الناس ويمارسون القتل لمن يكفرونه؟، كيف عميت أبصارهم عن كلام الله الذي لا يقبل التأويل أو التفسير، أحكامه واضحة جلية حدد فيها المولى عز وجل مسئولية الأنبياء ومسئولية خلقه من خلال استقبال الرسالة وتبليغ الأنبياء لهم بأن يختاروا الدين الذي يريدون، بمنتهى الحرية، وأن حسابهم عند الله جميعًا: “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ”، ولم يمنح الخالق سبحانه أي نبي أو رسول أن يشاركه في التشريع لخلقه، فاحتفظ بحق التشريع لنفسه فقط، وترك للأنبياء والرسل التبليغ والشرح والتوضيح لمراد الله في كل آية من كتابه الكريم. ومن هنا نرى في هذا العصر صورة واضحة للفرقة بين المسلمين؛ حيث حذر سبحانه بعدم التفرق، وعدم هجر القرآن بل الاعتصام به ليحمينا من شرور أنفسنا ويجمعنا على كلمة واحدة على بناء مجتمع العدل والمحبة والسلام والرحمة.

لقد أمرنا الله في محكم كتابه بالتدبير واحترام العقل وتنمية الفِكر والارتقاء به وتنقيته من الخرافات والأوهام، وأحكام المنطق ومرجعية القرآن وما فيها من دلالات تؤكد للناس أن يحرروا عقولهم ولا يرتهنوا لمقولات تواترت عبر القرون، ولا يقدسوا الناس، مهما بلغ علمهم فإنهم بشر يخطئون ويصيبون، وما صاغته أفهامهم عبر القرون الماضية حسب قدراتهم الفكرية وحسبما أملت عليهم ظروفهم الاجتماعية، وقد وضع الله سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة تأمرنا جميعًا بأن نستنبط حلولًا تتوافق مع كل عصر من القرآن الكريم، تأسيسًا لقوله تعالى في سورة البقرة “134”: “تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون”، ذلك قولٌ فصل وأمرٌ للناس بأن تجتهد كل أمة في كل عصر بما يحقق مصالحها الحياتية، فلن نُسأل عمّن سبقنا وكلٌّ سيحاسب بما كسبت يداه، فلن يشفع لنا من عاش قبلنا ولن تقينا أفهام وتفاسير من سبقونا، إنما يشفع لنا ما قدمناه لأنفسنا والناس في عصرنا الذي نعيشه، وقوله تعالى في سورة آل عمران “191”: “وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” دعوة للتفكير، ويضرب الله لنا مثلًا عن الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض علينا أن نتبعهم في البحث والتدبر؛ لما يتحقق بذلك من نتائج تفيدنا في تأصيل اعتقادنا، وتقوية إيماننا، وترتقي بمجتمعاتنا، وتضيف للإنسانية عناصر التطور والتنمية لرفعة شأن الإنسان في كل مكان، مرجعيتنا القرآن رحمة وعدل ومحبة وسلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى