الخطاب الإلهى

القصص القرآني في مناهج التدريس

جوانب تربوية في قصة النبي إبراهيم مع قومه

يتوجه الخطاب الإلهي للناس بكافة الوسائل التي تيسر عليهم فهمه واستيعاب ما به من أمور عقائدية وأحكام شرعية وعادات، من هذا المنطلق يمكن استخدام المناهج التعليمية الحديثة في توصيل المعلومة والمراد من الآية بشكل يسهل معه استنباط ما تريد الآية إيصاله للمتلقي.

فحين جاءت الآيات بالقصص القرآني نجد استخدام لمناهج وطرق تدريسية تهدف للتبسيط وجذب الانتباه وإعمال العقل البشري بإمكانياته المحدودة.

المنهج الاستقرائي في الخطاب الإلهي

في قصة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) مع قومه أراد إيصال معلومة عقائدية وهي إثبات الألوهية من خلال التدرج من الكوكب للقمر ثم إلى الشمس حتى وصل إلى حقيقة الألوهية. وفي ذلك استخدام لمنهج ظن الغرب أنه منهج مستحدث في التفكير العقلي وأنهم هم من توصلوا إليه وهو «المنهج الاستقرائي» والذي كان للخطاب الإلهي السبق في استخدامه. قال تعالى:

«فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(الأنعام/76:79 ).

واستخدم القرآن كذلك منهج االاستنتاج من خلال القصص القرآني في قصة الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها حيث بدأت القصة بطرح الأسئلة ثم الرد عليها بطريقة عملية أشبه بالتجارب المعملية التي تصل بنا إلى استنتاج النظرية العلمية محل الدراسة، فجاء الاستنتاج من السائل بإثبات قدرة الخالق سبحانه وتعالى ونجد ذلك في قوله تعالى:

« أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (259:البقرة).

استخدام آيات الكتاب الحكيم للعصف الذهني

وجاء القصص القرآني أيضًا بأحدث مناهج التدريس المنتشرة حاليًا والتي يظن الغالبية أنه منهج استحدثه الغرب وصدّره للعالم ليبهره بهذا المنهج الحديث في التعلم والذي يُسمى «العصف الذهني» وهو المنهج الذي يهدف إلى تنشيط الذهن عن طريق التفكير السريع لحل قضيةٍ ما بالبحث عن آراء وأفكار وحلول سريعة.

وذلك كما جاء في قصة تحطيم سيدنا إبراهيم للأصنام، فعندما جعلهم جذاذًا في حين ترك كبيرهم لعلهم إليه يرجعون، ترك لهم إعمال تفكيرهم في إيجاد حل سريع لِما تعرضوا له إهانة لمعبوداتهم.

قال تعالى: «فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ» (الأنبياء/58:65).

وإذا نظرنا إلى مناظرة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) مع النمرود نجد منهج تعليمي حديث أيضًا تم اعتماده كطريقة من طرق التدريس الحديثة وهو « الحوار والمناقشة» للوصول إلى المعلومة الصحيحة بالحُجة والمنطق، قال تعالى:

« أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(البقرة:258).

من خلال هذا العرض لبعض ما جاء في آيات الكتاب الحكيم من استخدام لطرق التعلّم والتدريس الحديثة والتي يُنسب اكتشافها والسبق في استخدامها للغرب دائمًا. نتيقّن أن الخطاب الإلهي سبق كل الاكتشافات الحديثة في كافة المجالات وأنه صالح لكل الأزمنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى