«القول الفصل» في إرضاع الكبير وحد الرجم
ما صحة الأحاديث المنسوبة للنبي بشأن عقوبة رجم الزاني وإرضاع الكبير

- الصراع الأبدي بين الخير والشر - 25 سبتمبر، 2023
- حرب نفسية أهدافها عدوانية - 23 سبتمبر، 2023
- الوعي يئد الشائعات والمواطن المصري يحمي وطنه - 21 سبتمبر، 2023
في الخطاب الديني
في مسند أحمد رقم 25112
حدّثنا يعقوب قالَ حدّثنا عن أبي إسحاقَ، قال حدّثني عَبِدُ الله بن أبي بكرٍ بن محمّدٍ بن عُمر بن حَزم عن عَمرةَ بنتِ عَبد الرّحمن عَنْ عائشةَ زوجِ النبيِ صلّى اللهُ عليهِ وسلم قالت (أنزلتْ آيةُ الرَّجمِ ورضعاتِ الكبيرِ عَشرًا، فكانتْ في ورقةٍ تحت سرير في بيتي، فلمّا اشتكى رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم، تشاغلنا بأمرِه ودخلت دويبة لنا فأكلتها).
في الخطاب الإلهي
أولًا إرضاعُ الكبيرِ: فيما يتعلقُ بما جاءتْ به الروايةُ أعلاهُ، بشأنِ إرضاعِ الكبير، فنجدُ قولَ اللهِ تَعالى يدحضُ تلكَ الِفريةَ، ويؤكدُ تحصينِ المرأةِ وحمايتِها منِ الغوايةِ ومن النفس الأمّارةِ بالسوءِ، ومنَ الوقوعِ في الذنبِ، في حينِ أنّ اللهَ يأمرُ رَسولهَ محمّدًا صلى الله عليه وسلّم في قولهِ تعالى ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بَعُولَتِهِنَّ أَوْ إخوانهِنَّ أَوْ بَنِي إخوانهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أولِي الْإِرْبَة منَ الرِّجَالِ أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواعَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفَلِحُونَ﴾ (النور: 31)، ثمّ يُؤكّد الخالقُ سُبحانَهُ مرةً ثانيةً حيثُ يقولُ لرسوله ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أدْنَى أن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (الأحزاب: 59).
إذا كانَ الله سُبحانَهُ وتَعَالى يأمرُ رسولَه صلى اللهُ عليهِ وسلّم بأنْ يأمرَ أزواجَهُ وبناته ونساء المؤمنـينَ، بأنْ يُدنيـنَ عليهُنَّ جلابيبهنَّ، وأن يسترنَ أنفسهن، فكيفَ بروايةٍ مزعومةٍ ومفتراةٍ على رسولِ اللهِ تتناقض مع آيات الله وتنسب زورا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أنْ تسمحَ المرأةُ لرجلٍ غريبٍ أن يرضعَ من ثَدْيها، أيُّ خطابٍ هذا المكذوب، إِنها دعوةٌ للفسقِ والفجورِ، ومعصيةِ الله، فكيف يُمكن للمسلمِ أن يستوعبَ أو يُصدِّقَ تلكَ الرواياتِ التـي تُسيء إلى رسولِنا الكريمِ، ويضعونه دائمًا في حالةِ صِدامٍ وتناقضٍ مع القرآن الكريم، ويرفعونَ تلكَ الرواياتِ إلى مصافِ التقديسِ ويعتمدونَها مرجعًا لا لبسَ فيه، وتصبحُ من القضَايا المؤكّدة التي يعرضونَها على المُسْلمِين ويعتمدوها مصادر للخطاب الديني.
ثانيًا آية رجمِ الزّاني والزّانيةِ: جاءَ في الروايةِ نَفْسِها أعلاه، بشأنِ رَجم الزانياتِ لم يَرِدْ نصُّ في القرآن الحكيم بهذا الحُكم القَاسي واللّا إنساني، فقدْ وضَعَ اللهُ سُبحانَهُ تشريعًا لذلك فَقَال سُبحْانَهُ وتعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأخُذْكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور: 2)، ذلك هو حد الزاني والزانية الذي شرعه الله لعباده وهو الحكم الذي أمر سبحانه بتطبيقه كما ورد في هذه الآية التي تنسِفُ روايةَ الدُّويبةِ التي أكلتْ، الآية المزوّرةَ والمفتراة على الإسلام.
ملاحظة وتعقيب:
كيف للعاقلِ أن يصدّقَ فرية وتخريف وأكذوبة صادمة للنطق إذا لم تصبْهُ لوثة في عَقْلِهِ وكيفَ للمسلمِ أن يُؤمنَ بروايةٍ تَستَصغِر وعيه وتستخف بإدراكه وكيفَ قَبِلَ المسلمونَ مُنذُ مئاتِ السنينَ، هذه الاستهانةَ بعقولِهِم، وكيف اعتمدوها في مَراجعِهم الفقهيّة، وكيفَ غابتْ عن عُقولِهم آيات الله حيث يصفهم الله سبحانه بقوله (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يبصرون) (البقرة: 17، 18)، كيف تعاموا عن التشريع الإلهي وما جاء به من أحكام في القرآن الكريم كما جاءَ في سورةِ النورِ، في حد الزَّانيةِ والزّاني، وكيفَ قَبِلَ من يُسَمونَ بعلماءِ الدينِ وصدقوا تلك الرواية بشأن موضوع إرضاعِ الكبيرِ، وفاتَتْ عليهم آياتُ اللهِ، الّتي تضعُ حدودًا فاصلةً في التعاملِ بينَ الرجالِ والنساءِ، حتى لا يَقَعَ المحظورُ وتُرتَكبَ المعاصي، ثمّ يتم تداولُ هذه الروايةِ وترديدها قرونًا علمًا بأنه لا يوجد نص على الرجمِ في القرآنِ الكريمِ وكيف تم استغفال الناس بتلك الرواية بأن دويبةً أكلتْ الآيةَ تحتَ سريرِ عِائشةَ رضي اللهُ عنها، فأيُّ عَقلٍ يرضى بأن تتمَّ استهانتُهُ واستغفالُهُ وكيف يقبلُ علماءُ الدينِ بهذه الفِرية. وأما فيما يتعلق بدويبةٍ أكلت الآيةَ من تَحتِ السّريرِ، فإذا سَلّمنا بصحتِها فيكونُ قد تولّانا الخَبَلُ والعتْهُ، وأنَّ من يُصدّقُ هذه الروايةَ، فلا شكَ بأنهّ يستهينُ بعظمةِ القرآنِ ودينِ الإسلام، ممّا يؤكدُ بأن تلك العقولُ كانت مغيّبةً، والأفهامُ صدأتْ والران على القلوبِ مما استحكمَ في أسلوبِ تفكيرهِم فعُطِّلَ الفهمُ الصحيحُ للقرآنِ الكريمِ ومقاصدِ شرعِ الله في كتابِهِ الكريمِ.