
في الأسطر التالية، نتعرف من خلال كتابات الباحث والمفكر العربي، علي محمد الشرفاء الحمادي، على السر وراء خلق الله الناس في صورة مجتمعات وشعوب وقبائل، حيث يؤكد الكاتب الإماراتي في كتابه المتميز «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، أن السبب وراء ذلك ليس هو التناحر والتنابذ بالمعارف والألقاب وإنما للتعارف والتبادل الفكري والثقافي، فيقول في هذا الجزء من كتابه الرائع: «إنَّ المولى عزَّ وجلَّ جعل الناس شعوبًا مختلفةً، وقبائل متعددة، لا ميزة لإحداها على الأخرى، حيث يتطلب هذا التعدّدُ والاختلاف في الأعرافِ البشرية، التعارف بينهم، وتعلّم لغة كلٍّ منهم، ليتعاونوا فيما يُحقّق لهم الخير والأمان والتقارب، من خلال التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والصناعي والزيارات السياحية والاستطلاعِية، للتعرّف على ثقافات الشعوب، وتبادل العلوم والمعرفة الإنسانية لجميع خلقه، وهو وحدَه سُبحانَه مَن يحكم على أعمالهم، ويُميّزَ من يعمل صالحًا أو طالحًا. فلا ميزة لأي إنسان على آخر إلا بما يقدّمه من عمل صالح لنفسه، ولمجتمعه فلا حَصانةَ لأحدٍ عند اللهِ، إلا مَن آمنَ باللهِ والتزمَ بتكاليف العبادات والمعاملات، والعمل الصالح ويخاطب اللهُ الناس، بقوله سُبحانَه:
﴿يا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.. (الحجرات: 13).
ولقد استمرّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتلو على الناسِ رسالةَ اللهِ إليهم من خِلالِ آياتٍ كريمةٍ في كتابٍ مباركٍ يدعوهم للإيمانِ باللهِ الواحدِ الأحد، ويُبلغَهم رسالةَ اللهِ إليهم، ويُوضح لهم ما اشتبه عليهم من مفاهيم ويشرح لهم ما جاء في قصص القرآن من عبر، ويوضِّح لهم الأسباب التي استحقوا بها غضب الله، فعاقبهم على أعمالهم بزوال ملكهم وانهيار دولهم لتكون لهم عبرة فيتجنبوا أفعال مَن سبقهم مِن شرك بالله وظلم الناس ومن استباحة الحقوق وأكل أموالهم بالباطل، ولم يجعلوا العدل أساسًا لحكمهم كما أمر الله، ويُحذّرهم من مَغبة تكرار أعمالِ السابقين الذين غضب الله عليهم وأذاقهم العذاب، ويحدد الله سبحانه مهمة رسوله، بقولهُ تعالى:
﴿يَا أيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾.. (الأحزاب: 45-46).
كما يعلم الناس، لماذا بعث الله رسوله إليهم، بقوله تعالى:
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).. (الجمعة 2).