
لا يوجد من هو أفضل من الباحث، ليكشف لمتابعيه عن حقيقة بحثه، والأهداف التي كان يضعها نصب عينيه قبل أن يبدأ فيه، وكذلك يكشف لنا كواليس دراسته الميدانية والبحثية والعلمية التي أجراها، وهذا ما فعله الباحث والمفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، في مقدمة كتابه «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، والذي يرصد لنا في ثناياها ما الذي دفعه إلى الإمساك بقلمه، وشحذ أفكاره وذهنه، ليخرج لنا بهذا المبحث الرائع، الذي يصل بنا إلى كشف حقيقة مهمة جدًّا، وهي أن ما يحدث على الساحة الإسلامية الآن، هو نتاج 14 قرنًا من التغييب العقلي للمسلمين، وغلق باب الاجتهاد في وجوههم.
وحتى لا نطيل عليكم، نترككم بين أيدي المفكر علي محمد الشرفاء، وما خطّه بيديه في مقدمة كتابه المتميز «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، حيث يقول لنا: «إنَّ هذا البحثَ هو دعوةٌ مخلصةٌ لكلِّ مُسلمٍ يَحترمُ عقلهُ، ويحمدُ الله تعالى ويَشكُرهُ على نعمة العقل، والأسماء التي علمها آدم، التي أودعها اللهُ سبحانه إياه في عقله، ليَستكشف بها المعارف ويَستنبِطَ بِها قوانينَ الحياةِ، لِتعمر الأرض عدلًا وسلامًا ورحمةً.
ومن رَحمَةِ الخالقِ سُبحانَهُ بخَلقهِ، أن أرسَلَ الرُسُلَ والأنبياءَ بكتبٍ كريمةٍ من لدنه، يَهدي بها الناسَ ويُضيء لَهُم طَريقَ الحياةِ وليُخرجَهم من الظُلماتِ إلى النورِ بالعِلمِ والمعرفةِ، تعينهم على أن يعيشوا في سعادةٍ وسلام ورخاء وإخاء.
إنّ اللهَ تعالى يُخاطبُ العقلَ في قرآنهِ العظيمِ بأن يَتدبر الناسُ آياتهِ، ويَتفكروا في مَخلوقاتِهِ، لِيُؤسسوا على شَريعةِ اللهِ نِظامًا يَكفَلُ للناسِ الحُريةَ المُطلقةَ في اختيارِ عَقائِدهم، ويُرشدُ سُلوكَهم بِقيمٍ عَظيمَةٍ لم ترقَ لها أعظَمُ الحَضاراتِ الإنسانيةِ، بمبادئ العَدلِ والتعاونِ والرحمةِ والسلامِ والمحبةِ بين الناسِ.
دعوة جديدة لإعادة فتح باب الاجتهاد «المغلق»
إنّها دعوةٌ للمثقّفين في شتى المجالات، وعُلماءِ الدينِ على اختلاف تخصصاتهم في العالم الإسلامي بكل طوائفهم، من أجلِ البَحثِ الجاد والمُخلصِ، في سَبيلِ الخروجِ من الكارثةِ التي عاشها ويَعيشُها المسلمونَ من حروبٍ ومعاركَ وصراعاتٍ، على مدى أكثر من أربعة عشر قرنًا حتـى اليوم، أسالتْ الدماءَ بغزارةٍ، وذَرفَتْ الدموعَ وبَلغَ الجُوعُ مَبلغَهُ، وتَفَشّتْ الأمراضُ مُكتَسِحةً الناسَ دُونَ رحمةٍ، وأقفرتْ المُدنُ وحَلّتْ فيها العداوةُ والتنافرُ والكراهيةُ والبغضاءُ.
إنَّ عُقلاءَ المسلمينَ والمثقّفينَ، مَدعوون اليومَ إلى وَقفةٍ مسئولةٍ، دون تمييزٍ لطائفةٍ أو مذهبٍ أو فرقةٍ أو حزبٍ، للتعاونِ والبحث الجاد المتجرّد في سبيل الوصول إلى مفهوم واحد يتفق عليه الجميع، فيما تعنيه مقاصدُ آيات القرآن الكريم لخير الإنسانية، تاركين خَلفَهم مَصادرَ رواياتِهم، مدركينَ بوعيٍ كاملٍ وإيمانٍ ويقيـنٍ، أنَّ للدينِ الإسلاميّ مَرجعيةً واحدةً هي كتابُ اللهِ سُبحانَهُ الَّذِي نَزَّلهُ على رسُولهِ محُمدٍ عليه الصلاة و السلام، الَّذِي أمرهُ الخالقُ بإبلاغِ خِطابِهِ للناسِ جميعًا، وأن يكونَ القرآن الكريمُ مصدرَ استنباطِ التشريعات المختلفة التي تحتاجها المجتمعات الإنسانية لتنظيم شئونها على أساس من العدل والرحمة، ليتّحدَ المسلمونَ ويكونوا بحقٍ الأمةَ الوَسطَ التي تحمل مشاعل النور الإلهي لتضيء به للإنسانية جمعاء، طريق الرحمة والعدل والحرية والسلام، وتقدّم للناس سبل الخير والتعاون واحترام حقوق الإنسان والتطور الحضاري، وليتخذوا موقفًا شجاعًا أمام الله وأمام أنفسهم ومجتمعاتهم بتجرد وإخلاص للتشريع الإلهي، ليعيدوا النظر بالتدبّر وتحرّي الحقيقة في كتاب الله الكريم، والبحث في أسباب الخلاف بين المسلمين منذ عهد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.