الأسرة والمجتمع

المواطنة في الخِطاب الإلهي

حُب الوطن بمُفرداته جاء تالياً لحُب الله ورسوله فى القران الكريم

المواطنة.. مُصطلح جديد يظُن كثير من الناس بما فيهم المُثقفين أنَّه لفظ مدني مُستحدث لا علاقة له بالدين الإسلامي .

والمواطنة رغم حداثة لفظها إلا أنها تُعد قضية جوهرية في الإسلام والتي كانت تُعد من أحد أبرز أسباب إعلان الجِهاد وهو جِهاد الدَفع لحِماية الدين والنَفْس والوطن.

والمواطنة بكل معانيها كانت أسلوب حياة لدى النبي (صلى الله عليه وسلم )في مُعظم المُعاملات اليومية، ليحُث أصحابه على حُب الوطن والإنتماء له والدفاع عنه ضد أي أعداء يتربصون له.

وقد خص الله المواطنة بجميع مُفرداتها وبمعناها الشُمولي في آيات الذكر الحكيم ليحثُنا على ضرورة الوحدة والتآلف والتعاون من أجل تحقيق المصلحة العُُليا للوطن، والتي تعد المصلحة العُليا للمواطن والأُمة بشكل عام .  

 فقال سبحانه وتعالى: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ».   (التوبة:24)

وهنا نجد جميع مُفردات المُواطنة والتي تشمَل الأرض والمُواطنون بما فيهم الآباء والأبناء والإخوة والأزواج والعشيرة والأموال والمساكن وغيرها، وقد جعلها الله في المرتبة الثانية بعد حُب الله ورسوله، بل إنَّ الله حذَر من يحب الوطن بمعناه الشُمولي على حُب الله ورسوله، وهذا دليل على أن هناك من كان يُقدم حُب الوطن على حُب الدين، فنهى الله عن ذلك ليكون حُب الوطن تالياً لحب الله ورسوله.

القرآن يحضُنا على المواطنة والله أقسم بالأوطان في كثير من مواضِع القرآن الكريم

يقول الدكتور “محمد عبدالعاطي” عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر إنَّ المواطنة من صميم الإسلام وروحه ونجده   حضَّ على أنْ يكون للمسلم ولاء لوطنه ومسقط رأسه ومنشأه.

وأضاف “عبدالعاطي “لـ«التنوير»: إنَّ الله سبحانه وتعالى خصَّ المواطنة وحُب الوطن بنوع من القُدسية فجعلها أمراً مُقدساً وأقسم بالوطن في أكثر من مَوضِع فى القرآن الكريم حيث يقول تعالى: «لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ *وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ *وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ»،    (البلد:3:1)                                

فهذا دليلٌ قاطع على أنَّ المواطنة أقرها الإسلام، مشيرًا إلى أنَّ الذي يكون بينه ووطنه    خصام يُسبب إشكالية كبيرة بينه ودينه لأنَّه لا يُطبق تعاليم دينه تطبيقًا سليمًا.

وقال تعالى : «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ* وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ»  (آل عمران 96-97)                                                                                             فيُعد هذا دليل على ضرورة أنْ يتمسك الإنسان بمسقط رأسه والولاء والانتماء لوطنه.

وأكَّد أنَّ من يُعارضون المواطنة يفهمون النصوص فهمًا خاطئًا، ويظنون أنَّ الآية الكريمة التي تقول: «وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ»    (المؤمنون :52)                   تنسف المواطنة رغم أنَّه ليس هناك تعارُض بين أنْ نكون أمَّة واحدة لكننا مُتعددي الثقافات والبلاد والأمصار وأنْ نكون مُحبين لها فهي تُكرِس للمواطنة وتحُض عليها.

«الإفتاء»: المواطنة مبدأ إسلامي تعني المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد بعيداً عن الإنتماء الدينى أو العِرقي أو المذهبي

وفي نفس السِياق أصدرت” دار الإفتاء المصرية” بياناً  شرعياً أكدت فيه «أنَّ المواطنة مبدأ إسلامي أقرته الشريعة الإسلامية منذ 14 قرنًا في وثيقة المدينة بالعيش المُشترك، والمُساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون نَظَر إلى الإنتماء الدينى أو العِرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أُخرى».

وأشارت “الإفتاء ” إلى أنَّ الإسلام ترك الناس على أديانهم وسمَح لهم بمُمارسة شعائرهم داخِل أماكن عبادتهم، ليس ذلك فحسب بل إنَّ التشريع الإسلامي ضمَنَ لهم أيضًا سلامة كنائسهم ومعابدهم فحرَّم الإعتداء عليها، بل ذهَب الإسلام لما هو أبعد من ذلك حيثُ أمرَ بإظهار البِر والرحمة والقِسط فى التعامُل مع المُخالفين فى العقيدة،     يقول تعالى: “لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”    (الممتحنة :8)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى