الوعي… السلاح الغائب في مواجهة الإرهاب
لا بد من التعامل مع الظاهرة من منطلق فكري يستند إلى قراءتها بصورة صحيحة

تحت عنوان «الوعي… السلاح الغائب في مواجهة الإرهاب»، كتب منير أديب مقاله المنشور في جريدة «النهار» تناول فيه أهمية الوعي لمواجهة الإرهاب والتطرف. ونعرض ما جاء في المقال..
بدأ الكاتب بالتأكيد على أنه لا مواجهة للإرهاب من دون وعي، ولا وعي متحقق مع وجود ظاهرة التطرف، فهو العلاج الناجز في تفكيك أي ظاهرة متطرفة مهما كانت تعقيداتها.
الحكومات وسلاح الوعي
وأضاف: وللمفارقة العجيبة كثير من الدول التي تواجه الإرهاب دائماً ما تضع الوعي كعلاج مكمل وليس أساسياً في علاج هذه الظاهرة، في حين قد لا تعول بعض الحكومات عليه من الأساس! وهذه قد تكون إحدى المشكلات التي أدت إلى تناميها بهذه الصورة المخيفة.
ويوضح الكاتب أن هناك فرق بين الوعي الذي ينحصر في القراءة الدقيقة والعميقة لظاهرة الإرهاب والتطرف وبين الاشتغال على هذه التنظيمات من خلال كشف عوراتها؛ ويشير إلى أننا لسنا في حاجة إلى تشويه الإرهاب أو حتى سبه، فقط نحتاج إلى قراءة الظاهرة قراءة دقيقة أقرب الى واقعها، فهذا أحرى بالقضاء عليها، وهنا لا بد من ألّا نتعامل معها من منطلق سياسي ولكن من منطلق فكري يستند إلى قراءتها بصورة صحيحة بلا أي مبالغة، فيكفي أنها تمثل خطراً على الدين والوطن والإنسانية بغض النظر عن خطرها على بعض الأنظمة السياسية التي قد تتصالح معها في وقت وقد تنقلب عليها في وقت آخر!
كيف تكون المواجهة الحقيقية للإرهاب؟
ويلفت الكاتب إلى أن التنظيمات المتطرفة قد لا تنزعج كثيراً مما تتعرض له من سباب أو حتى الهجوم عليها بما ليس فيها، قدر انزعاجها من نقض أفكارها أو تفكيك هذه الأفكار بطريقة عاقلة، بعيداً عن الانفعالات التي قد لا تكون مفيدة في كثير من الأوقات؛ فكلما شغل العالم نفسه بسب الظاهرة كان أبعد من المواجهة الحقيقية، وهذا ما تُدركه تنظيمات الإسلام السياسي التي تشجع أي خطاب من شأنه المبالغة في سبها أو ذكر ما ليس فيها!
ويشير كاتب المقال إلى أنه قد تستثمر بعض التنظيمات المتطرفة سبابها في دعم وجودها أمام قواعدها؛ فبعض التنظيمات تُحاول أن تظهر لأبنائها والمنضوين تحت لوائها ولعموم النّاس أنها مستهدفة ومضطهده وأن الجميع متربص بها، فتخلق لنفسها بذلك بيئة تنمو بها وتزهو فيها؛ فكل انتقاد في غير محله يُبقي الظاهرة ولا يقضي عليها بل يُعزز وجودها!
أهمية الوعي لمواجهة الإرهاب
ومن هنا يؤكد على أهمية الوعي في كونه سلاحاً مهماً في مواجهة الظاهرة، إذ يعني باختصار التزام القراءة الدقيقة لها فهماً وإدراكاً ومواجهة من دون تهويل، تمهيداً للرد عليها وتفكيكها من دون تهوين أيضاً. لا بد لكل من يستخدم سلاح الوعي من أن يكون بعيداً من التهويل والتهوين، فمهمته تنحصر في صوغ العقل القادر على المواجهة والمجابهة معاً، هذا الوعي هو الوحيد القادر على تفكيك الظاهرة.
ويوضح أن كل استراتيجيات المواجهة تعتمد على الوعي، ويمثل هذا الوعي رقماً مهماً فيها، وقد انتبهت تنظيمات العنف والتطرف إلى هذه الحالة فواجهتها من خلال برامج ما يُسمى بتصحيح المفاهيم ووضوح الرؤية وغيرها من البرامج التي تغير أنماط التفكير لدى أتباعها والمستهدفين، والهدف هنا هو دعم صناعة المواجهة أو سلاح المواجهة البتار. صحيح يسقط منطق هذه التنظيمات على عتبة الوعي، ولكنها تصمد بعض الوقت مع برامج التوعية الداخلية للوقوف أمام برامج الوعي التي تواجهها، وهو ما يجب الانتباه إليه.
ضرورة النقد الذاتي
ويؤكد الكاتب على ضرورة النقد الذاتي فيقول: هناك كثيرون ممن يتصدّرون لمواجهة ظاهرة الإرهاب ليس لديهم وعي كامل بالظاهرة التي يواجهونها أو قد لا يتسلحون بسلاح الوعي، وهناك من لا يرى أهمية في استخدامه، وهنا تبقى جهود هؤلاء أقل من مستوى المواجهة الذي لا بد من أن يكون، وهنا تُصبح جهودهم بلا تأثير.
ويشير إلى أن دور مراكز الدراسات المتخصصة في قراءة الظاهرة التي لا بد من أن تعتمد على عدد من الخبراء والباحثين، الذين لديهم قدرة على التحليل وبطبيعة الحال يمتلكون القراءة الدقيقة لهذه التنظيمات. هؤلاء الباحثون من دون غيرهم هم من يمتلكون الوعي وبالتالي هم الوحيدون القادرون على المواجهة الحقيقية ذات التأثير والأثر على الظاهرة.
مهمة الباحث والمفكر في تفكيك ومواجهة الإرهاب
ويضيف: لا بد من أن يتفرغ هؤلاء الباحثون لهذه المهمة، ومن أن تكون هذه مهمة مراكز الفكر المختصة والحكومات التي تضع على كاهلها مواجهة الظاهرة، فلا يتم اختصارها في شكلها الأمني والعسكري فقط، فهذه مهمة في حد ذاتها بدلاً من الاشتغال بقضايا لا أهمية لها ويمكن أن ينجزها آخرون؛ فمهمة الباحث الحقيقية في التفكير ومهمة المفكر في أن يُسلط الضوء على فكرة لم ينتبه إليها غيره.
ويتابع: لا بد أيضاً من أن نُبشر بأهمية الوعي كسلاح ضروري في معركة منصوبة بصورة دائمة، وأن نضع البرامج التي تؤهل الباحثين ومراكز الدراسات ورجال الأمن بحيث يكونون قادرين على استخدامه بعد أن يكونوا مقتنعين بضرورة هذا الاستخدام، وهذه مهمة لو تعلمون عظيمة، تحتاج إلى وعي في إعداد البرامج وفي التعامل مع غير المؤمنين بهذا السلاح، ثم تحتاج إلى وقت طويل لإنجازها حتى يُؤتي هذا السلاح أثره في معركة المواجهة.
الطريقة السحرية لمواجهة الإرهاب والتطرف
ويذكر الكاتب أنه سُئل ذات يوم عن الطريقة السحرية للقضاء على ظاهرة التطرف في منطقتنا العربية شرط أن تكون هذه الطريقة منطقية وسريعة المفعول، فأجات بسلاح الوعي. وفسر ذلك بأنه سلاح مفتقد في معركة تحتاج إليه مثل الغطاء الجوي في معركة للدبابات أو المشاة، لا يمكن الاستغناء عن هذا الغطاء وسط تقدم المشاة أو المركبات المتحركة، فلا يمكن إحراز أي انتصار أو تقدم من دون غطاء جوي! الوعي كفيل بحصار الظاهرة وحماية المواجهين مثله مثل الغطاء الجوي تماماً، كما أنه كفيل بمواجهتها في عقر دارها، في النهاية قد تموت الظاهرة أو يتم تفكيكها بالوعي.
ويؤكد على أن مشروع تفكيك الظاهرة مبني على الوعي؛ لا يمكن الانتصار على الإرهاب من دون تفكيك الظاهرة حتى لو اختفت أو غاب قادتها، فالغياب والضعف لا يعنيان نهاية الظاهرة، فقد تعود من جديد وهنا تُشكل خطراً على المستوى الأمني والفكري معاً، أي انتصار أمني يستلزم مواجهة فكرية لتفكيك الظاهرة بشكل كامل، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون وعي.
الوعي قاطرة المواجهة الحقيقية
وفي ختام المقال يشير الكاتب إلى أن الوعي هو قاطرة المواجهة الحقيقية والرافعة التي تحملها إلى بر الأمان بحيث تكون مواجهة مؤثرة وناجزة، فعلى الباحثين والمختصين والمشغولين بظاهرة الإرهاب إعداد برامج الوعي والتبشير بها في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف حتى يُصبح السلاح حقيقياً وواقعياً ومؤثراً في الوقت نفسه.