طاقة نور

بارقة أمل في عصر الظلمة (1-2)

كل تطرف يرتكب باسم الإسلام.. فهل هو «إسلام الموت أم موت الإسلام؟»

بقلم الدكتور
كامل حسن الدليمي

 

أتيح لي مؤخرًا المشاركة في أكبر تظاهرة ثقافية عربية تقام على أرض مصر العروبة “معرض القاهرة الدولي للكتاب” الذي عقد خلال الفترة من 1 ـــ 15 فبراير للعام 2018.

وبينما كنت أتصفح أحدث عناوين الكتب المعرفية في دور النشر العربية والعالمية، جلب انتباهي كتاب شعرت من أول وهلة أنه إضافة حقيقية في حقل الإصلاح الديني ــ إذا صح التعبير ــ والذي نحن اليوم بأمس الحاجة إليه في ظل تداعيات التفكير الإسلامي، وتمنيت أن أقرأ الجديد في هذا الحقل المعرفي الذي عليه تتوقف نهضة الإسلام فيما لو كانت هناك نهضة لإحساسنا بأن الإسلام يغرب كل يوم حتى اختلطت الأوراق، فما عاد المسلم يميز بين الرأي السليم من السقيم.

تناولت كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” وهو يشتغل بذات المنطقة التي أعمل عليها، وبدأت التصفح على سبيل الاطلاع وليس القراءة المتأنية، لما لاحظته من ضعف فيما ينتج من أفكار تغريبية أو تحريضية أو مدفوعة الثمن سلفًا.

وبعد تصفح مستهل الكتاب وقبل الخوض في المضامين الأساسية التي اضطلع بها المطبوع، شعرت بصدق نوايا المؤلف وحرصه الشديد وغيرته على الدين، بلا دافع ولا منفعة ذاتية، كما يفعل الكثير من الباحثين من نسختنا العربية.

قلبت صفحات الكتاب الأولى، فشدني المؤلف بعرضه المبسط للموضوع والذي اتسم بالاعتدال والوسطية المغيبين عن الفعل الحقيقي؛ بسبب تقاعس السلطات ومهادنتها لرجل الدين الذي تصرف بثوابت الدين بما يحفظ له مكانته الدنيوية، بعيدًا عن روح الدين وإن كان ذلك على حساب دماء المسلمين وزرع الفتنة بينهم.

وقد شدني التقديم للكتاب الذي وضعه أستاذ الفلسفة “دكتور حسن حماد”، إذ استهل بقوله “تشهد الساحة العربية والدولية في الآونة الأخيرة أحداثًا إرهابية ودموية مروعة تمارس باسم الإسلام…” ص21.

نعم، كل تطرف يرتكب باسم الإسلام فهل هو”إسلام الموت أم موت الإسلام؟”، هذا هو أحد عناوين مؤلفاتي الذي سمحت لنفسي بطرحه في ظل هذا الصراع المخيف الذي يعصف بالأمة الإسلامية، خصوصًا في العقدين الأخيرين من عمرها.

وببساطة متناهية “المتأسلمون السبب”؛ لا علاقة للإسلام كمنظومة فكرية “دنيوية وأخروية” بكل هذا الخراب، الإسلام بريء تمامًا من كل ما يحدث من قتل وتخريب وتشريد وانتهاك للحقوق الإنسانية باسمه.

فالإسلام كما يؤكد الكتاب الذي بين أيدينا ــ دين سلام ومحبة وأمن وأمان للجميع، حتى مع بقية الأديان هو إصلاح وتعمير العقل والأرض والإنسان، ولا شك في ذلك كما طرح ذلك المؤلف في ثنايا استعراض مادته من خلال استعراض ما ورد في دستور الأمة “القرآن الكريم”.

ومن ثم جلب انتباهي الإهداء الذي تصدر الكتاب وقد جاء فيه: لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية…”، ص25.

معرجًا على دوره ومسئوليته الجسيمة تجاه إعادة الأمة للتفكير جديًّا بخطابها الديني، وتنقيته من كل مالحق به من إسرائيليات.

هي دعوة مستحقة تمامًا في ظل ما تشهده الأمة العربية والإسلامية من فتن كقطع الليل المظلم، عناوينها دينية ومخرجاتها تفرقة الأمة وتشتتها باسم المذهبية والطائفية والمناطقية والعرقية وسواها، ولما تمثله مصر العروبة اليوم من عمق للعرب جميعًا تتطلع لها أنظار الشعوب العربية لقيادة ثورة الإصلاح الديني والعودة إلى القيم الإسلامية الحقيقية والقضاء على التطرف من خلال احتضان العرب ورعاية الفكر الإصلاحي، بصرف النظر عن جغرافية انطلاقه، ولا غرابة فمن مصر ولدت معظم حركات الإصلاح والتجديد الديني عبر العصور، ولايشكك عربي بأبوة مصر للعرب في ظل تشرذم الأنظمة العربية ودخولها تحت طائلة العقاب اليهودي للعرب بأيدي العرب أنفسهم وهي الرابحة على الدوام، كما عرج المؤلف على هذا المعنى وأثبت بالدليل والحجة أن بني إسرائيل وعبر عصور الإسلام تسعى جاهدة للنيل من الفكر الإسلامي، وهذا ما سلط المؤلف الضوء عليه متفضلًا.

وما دفعني لتناول هذا العنوان المهم مقدمة المؤلف والتي استهلها بقوله:

(ان هذا المؤلف هو دعوة مخلصة لكل مسلم يحترم عقله ويحمد الله تعالى ويشكره على نعمة العقل والأسماء التي علمها آدم التي أودعها الله سبحانه إياه، هي عقله؛ ليستكشف بها المعارف ويستنبط بها قوانين الحياة لتعمر الأرض عدلًا وسلامًا ورحمة) ص31.

هذا القول بحد ذاته هو دعوة للاحتكام لقول الخالق والابتعاد عن قول المخلوق، لأن الفارق بين القولين هو النسبة بين الحق الذي يمثله الله سبحانه وبين الباطل الذي يعتري قول المخلوق لا لشيء سوى لأنه بشر يخطئ ويصيب، وهذا النداء العقلاني يصرح به كل عقلاء الأمة لكي نتوحد.

فلنتوحد بقول الله وندع قول عبد الله لكي نرقى لابد لنا من إتقان لغة الرأي والرأي الآخر والإيمان المطلق بأن لا أحد في هذا العالم يمسك بالحقيقة، ذلك أنها نسبية ومتوزعة على الآراء والعقول، ولا أحد يدعي أنه يمتلكها بالمطلق، ولكي نحيا بسلام لا بد من قبول الآخر المخالف لنا في الرأي.

ثم عرج المؤلف وبطريقة ترتكز على المحاججة التي شاعت في عصور الإسلام الذهبية، فمحق الحجة بالحجة والرأي بالدليل، وهذا هو عين الصواب في الخطابات المعتدلة، والتي ترسخ مبدأ التعايش السلمي بين سكان الأرض، وحسنًا فعل المؤلف بتسليط الضوء على ثقافة الإسلام التي تؤمن باختلاف الدين والمعتقد والرأي، شريطة أن يتحمل كل ذي رأي مخرجات ما آمن به، نعم هي ثقافة ديننا الحنيف الذي لم يُكره أحد على الإيمان به وما كان سلاحه سوى الحجة والإقناع والتعامل بالحسنى مع الآخر.

 

_____________________________

*كاتب وناقد عراقي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى