
- الدين الجديد - 20 مارس، 2023
- حق المحتاجين في أموال الأغنياء - 16 مارس، 2023
- القرآن.. ومؤامرة بني إسرائيل - 4 مارس، 2023
إستعرضنا في حلقات سابقة الفرق بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي، حيث يعتمد الأول على روايات وأقوال بشرية لا يمكن بأي وسيلة التأكُد من مصداقيتها.
أما الخطاب الإلهي فهو (القرآن الكريم) المحفوظ من لدُن خبير عليم، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، وهو الكتاب الذي وحَّد الناس حول حقيقة واحدة.
يقول تعالى مُخاطِبًا رسوله الكريم: «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» (الجاثية :6).
والخطاب الإلهي هو نصوص القرآن الكريم وآياته التي تُشِّع نورًا لصالح الإنسانية كلها، فيها الرحمة والعدْل والحُرية والإحسان والسلام والتعاون والمُساواة بين الناس جميعًا.
وتمَّ عرض بعض الأمثلة من الروايات التي سُميت زُورًا وبُهتانًا بالأحاديث منسوبة لبعض الصحابة من أجل إضفاء الشرعية الدينية عليها بالرغم من تناقضها مع التشريع الإلهي.
حيث اختص سبحانه وحده بالتشريع لعباده، وكلف الأنبياء والمرسلين بإيصال رسالته للناس، وتعليمهم وإرشادهم لحكمة مراد الله في آياته وتوضيح معانيه.
وقد قال الله في كتابه الكريم: ﴿وَجَعَلناهُم أئِمَّةً يَهدونَ بِأمرِنا وَأوحَينا إِلَيهِم فِعلَ الخَيراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانوا لَنا عابِدينَ﴾ (الأنبياء :73).
الإنقلاب على الكتاب
كما تمّ عرض بعض الأمثلة على انقلاب المسلمين على الكتاب حينما تحولوا إلى فرق، كلٌ له مرجعيته ومنهجه، لا تستند إلى شرع الله الذي جاء في كتابه الكريم.
وأدى بهم إلى الإقتتال بسبب تعصُّب كل طائفة لمنهجها وقادتها من أئمة وشيوخ الدين، بالإضافة إلى ما أججته الخلافات الفقهيّة بانتماءاتها لمرجعيات متنافسة إلى الصراع بين الفرق والطوائف والتسابق لإرضاء الخلفاء والسلاطين، لتحقيق مكاسب دنيوية وحب السُّلطة.
فضلاً عن تحقيق مكانة إجتماعية ترضي الذات، وتستمتع بكثرة الأتباع، تؤمِّن لهم إشباع طموح النفس والإستعلاء على الأدنى منهم.
إن أصحاب الخطاب الديني المتطرف يستخدمون الروايات المختلقة، مما يُبرّر لهم أفعالهم المسيئة للإسلام، وأنشأوا مرجعيات متنافسة فيما بينهم، كل يستعلي على غيره غرورًا وعزة بالباطل.
مما أجج الصراع بين الأفكار المتناقضة، وأدى للصراع بينهم، ومن ثمَّ الإقتتال بين الطوائف الإسلامية والمذاهب المختلفة وسقط فيها آلاف القتلى من أصحاب رسول الله (عليه الصلاة والسلام)، واستمر مشهد الدماء بعد ذلك على طول الزمن إلى اليوم.
مهمة الرسول الخاتم
لقد أرسل الله رسوله محمدًا (صلّى الله عليه وسلّم)، ليبلغ رسالة إكتمل فيها التشريع الإلهي لعبادة الإله الواحد الحي القيوم سبحانه..
وضع الله فيه قواعد العدْل للحكم بين الناس في كل علاقاتهم الأسرية والتجارية وضوابط للمعاملات كافَّة.
واتباع القِيَم الإنسانية والفضائل القرآنية تأكيدًا لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوامِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (آل عمران :164).
فالله سبحانه وتعالى حدد لرسوله مهمته العظيمة للبشرية، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ (الفتح :8)
وقوله تعالى: ﴿قُل يا أيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِوَكيلٍ﴾ (يونس :108)
فلم يكن الرسول مشرعًا ولكنه كان مبشرًا ونذيرًا، ليعلم الناس الحكمة ويشرح لهم كلام الله ويفسرلهم ما استعصى عليهم فهمه ويعرفهم شعائر العبادات والتعامل فيما بينهم بالرحمة والأخلاق والفضيلة.
إن الخطاب الإلهي يخاطب الناس الأحياء في عصرهم ولا يخاطب السابقين من الأموات، فالقرآن يحاور عباد الله بما جاء به الخطاب الإلهي، القرآن الكريم، في حاضرهم ليعدوا من عمل صالح لمستقبلهم وليس معنيًّا بمخاطبة الأموات.
يقول تَعالى: «وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ» (يس: 69_70).
إذن فالخطاب الإلهي يخاطب الأحياء، وكل حي مأمور بأن يتدبر القرآن الكريم.
القرآن مصدر التشريع لكل عصور
إن كل إنسان حي، عليه أن يتفاعل مع النَّص القرآني ويتدبره، ويفهم مراد الله من آياته وألا يعتمد على فهم من سبقه فكل عصر له ظروفه وآلياته في الفهم والإستيعاب.
وما استجد على المجتمعات من تطور علمي وحضاري، يسَّر للإنسان الوسائل المختلفة، التي تساعده على التفكر والتدبر والبحث في آيات الله ومراميها ومقاصدها لخير الإنسانية ومنفعة الإنسان ليقيم فريضة القراءة، التي نزلت في أول سورة من القرآن.
يقول تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» (العلق: 5)
المصدر:
«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والنشر، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.