بيانٌ لقومٍ يعقلون (2-6)
فليستعمل كل إنسان عقله في فَهْم الآيات وإذا استعصى عليه بعض آياته فليسأل

- آيات القرآن لا تخضع للشكوك - 2 ديسمبر، 2023
- التوحيد والعمل الصالح - 30 نوفمبر، 2023
- جذور الأحداث الكارثية - 28 نوفمبر، 2023
لم يحدّد الله – سبحانه وتعالى – مخاطبة فئة من الناس، يتميزون عن غيرهم بإسم العلماء أو الأئمَّة، إنما يُخاطِب الله عقول البشر جميعًا دون استثناء.
ويُعِين سبحانه أيَّ عبدٍ من عباده يسعى بإخلاص للتدبُّر في كتاب الله، وييسر له فهْم مُراده في آياته، فالمعرفة والفهْم والإستيعاب لم يقصِره الله على فئة دون غيرها من البشر.
فليستعمل كل إنسان عقله في فهْم الآيات، وإذا استعصى عليه بعض آياته فليسأل من أنعم الله عليه بالعِلم والمعرفة.
لذلك أمرنا الله بإتِّباع فريضة التفكير، كما قال الله سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (آل عمران : 191).
لمعرفة مقاصِد الخطاب الإلهي وما يدعوهم إليه ليُصلِح حالهم فيتعاملون بالإحسان ويتعاونون في سبيل بناء مجتمعات الأمن والسلام، ليتحقق الإستقرار وينصرف الجميع لتعمير الأرض والعمل للإرتقاء بمستوى المعيشة للإنسان والحياة الكريمة لأفراد المجتمع كافَّة.
رسالة الإسلام للعالمين وليست للعلماء فقط
إنّنا نرى في عصرنا هذا كل من يُسمَّون بعلماء الدين، وضعوا لأنفسهم مكانة خاصة في المجتمعات الإسلامية وتحولوا إلى ما يُشبِه الكهنة، وأمسكوا بزِمام رسالة الإسلام بأيديهم.
ووقفوا أمام كل من يحاول مُخلصًا تصحيح المفاهيم الدينيّة وتقويم المصطلحات التي تناقلتها الزعامات الدينية على مدى أربعة عشر قرنًا، حيث يرون التدبُّر في كتاب الله تجاوزًا على مكانتهم وتعديًا على معتقداتهم التي تعلموها وحفظوها على مر السنين، من روايات مُستحدَثة وإسرائيليات مُحبِطة لا تتفق مع العقل والمنطق وتصطدم مع الآيات الكريمة.
فلماذا لا يتدبّرون رسالة الإسلام (القرآن) ويتعرفون على مقاصِد الآيات لخير الإنسان ولا يجتهدون في استنباط تشريعات من آيات الله لخلقه.
وهم يعلمون أنَّ التفكُّر والتدبُّر في القرآن فريضة إلهيَّة على كل مسلم أن يستخدم عقله وفكره، حتى يتبين له الحق من الباطل ولا يصبح إمَّعة يؤمن بما يُعرَض عليه من مفاهيم بالية أكل الدهر عليها وشرب، آمنَ بها الناس في عصور غارقة في الجهل والأمية، حين اعتمدوا على ما جاءهم من اجتهادات وفلسفات ومفاهيم مضت عليها القرون تتعارض مع حركة التطور الإنساني، فالناس ليسوا مُلزَمين بها، باتِّباع آراء ومفاهيم ضلَّت الطريق وأضلَّت من اتَّبعها.
إنَّ عقيدتهم في اتِّباع الأقدمين ألجمت عقولهم وأسَرَت تفكيرهم من التدبُّر في كتاب الله الكريم، فانعزلوا عن الواقع الذي يعيشون ولا سبيل لهم للتكيُّف مع مُتطلبات عصرهم، وعقيدتهم تحجُر عليهم التحرُّر من الماضي وترسُباته.
فكُلَّما دعوناهم إلى التدبُّر في آيات الله ومقاصدها لخير الإنسان وصلاحه، كانت إجابتهم كما وصفهم الله سبحانه في الآيات التالية:
«بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ» (الزَخَرف: 22)
وقال تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» (البقرة: 170).
المصدر:
«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.