
- الصلاة على النبي - 25 مايو، 2023
- استراتيجية بناء النظام العربي - 22 مايو، 2023
- السلام أساسه العدل - 17 مايو، 2023
عندما يخاطب الله المؤمنين بقوله: «وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَىَ الْكَافِرِينَ» (يس :69 ــ 70)
وعندما يخاطب الله المؤمنين بقوله تعالى: «يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوَا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ» (الأنفال :24).
ذلك الخطاب الإلهي هل هو يخاطب الأموات أو الأمم السابقة، أم يخاطب الأحياء الذين يتلون كتاب الله، ويستمعون إليه، ويتفاعلون مع نصوصه؟ لتتحقق الصلة بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده بحبل الله الممتد من الأرض إلى السماء من خلال تلاوة القرآن الكريم والتدبر في آياته، لمعرفة مراد الله وفَهْم مقاصد آياته لخير الناس، فلم يأمر الله بأن تُختَصر تلاوة القرآن الكريم في مراسم الاحتفالات ومجالس العزاء للأموات.
فالله يدعوهم سبحانه بقوله: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءَ فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخوانا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (آل عمران: 103).
لنجعل كتاب الله الكريم، المرجع الوحيد في تأسيس التشريعات والقوانين التي تنظم العلاقة بين الناس جميعًا بالعدل والمساواة.
وأما العلاقة بين الله وعباده فقد تأسست على حرية العقيدة والتقيُّد بأوامر الله ونواهيه، والالتزام بتكاليف العبادات، بحكم تلك العلاقة المقدسة بينه وبين عباده، والتي لم يكلف الله أيًّا من أنبيائه بأن يكونوا أوصياء على خلقه أو وكلاء عنه في الحياة الدنيا.
إنما فقط إبلاغ رسالته للناس جميعًا والله وحده يقضي بحكمه على عباده، على أساس من العدل والرحمة تأكيدًا لقوله تعالى: «منْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ» (فصلت: 46).
مهمة الرسول انتهت في حجة الوداع
ولقد اختتم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رسالته في حجة الوداع بالآية الكريمة في قوله تعالى: «الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (المائدة :3).
آية أُنزلت على رسولنا الكريم، ليُبلغ الناس بها ليخبرهم بأن الله سبحانه قد استكمل رسالة الإسلام وأمره بتبليغها للناس كافة تنفيذًا لقوله سبحانه: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ » (المائدة :67).
فلا يوجد قول يُضاف إلى آيات الله ولا تحريف لكلماته ولا رواية بعد كلام الله.
لقد تاهت العقول بين الروايات وبين تداخل الفلسفات اليونانية وبين أساطير الإسرائيليات وبين أهل الكلام والسفسطة وبين مئات الرواة تاركين وراء ظهورهم كتاب الله وآياته التي تُنير لهم الطريق وتخرجهم من الظلمات.
لذلك أوجدت تلك الأوضاع تصدّي بعض المنظّرين وأدعياء الدين بوضع مناهج وأساليب مُختلَقة لتوهم المتلقي للرواية أنها حقيقة، وأصبح لها مقاييس عقلية وعلمية من أجل خلق مصداقية مزورة لتلك الروايات، فزادت في تغييب العقل المسلم وابتعدت به كثيرًا عن الخطاب الإلهي، الذي أنزله الله على رسوله يخاطب به الناس بآيات واضحةٍ وأهدافٍ محددةٍ وكلماتٍ لا تحتاج إلى التدقيق أو التأكد من صحتها، يتقبلها العقل والمنطق لما تدعو إليه من خير وصلاح للناس وحثّهم على الأعمال الصالحة مُتفقة مع الفطرة الإنسانية.
فهي كلام الله أنزله على رسوله بقوله تعالى: «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ اَلْمُرْسَلِينَ» (البقرة :252).
وقوله تعالى: «تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ» (الجاثية :6).
المصدر:
«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.