- الأزهر وتصويب الخطاب الإسلامي - 17 مايو، 2019
- قوات المواجهة الفكرية - 5 أبريل، 2019
- تلاميذ مفتي السلطان - 19 مارس، 2019
يدهشني اندهاشك يا عزيزي من طائفة الدُعاة والمشايخ، الذين قالوا لك بالأمس، إن هذا حرام لا تقربه، ثم عادوا ليخبروك بأن ما كان حرامًا بالأمس، حلال حلال بلاشك!!
وتصدمني صدمتك في الشيخ فلان، أو الداعية علان، الذي أفتى لك بأن هذا الفعل حلال، ثم عاد ليخبرك فيما بعد بأن نفس الفعل الذي كان حلالًا بالأمس، تم تحريمه اليوم!!
وأتعجب ياصديقى من تعجبك الشامل من طائفة رجال الدين وشدة جرأة بعضهم فى تغيير فتواه طبقًا لمصلحة شخصية أو مصلحة من يخدمه، أو من يريد أن يتقرب إليه بالتلاعُب فى أمور الفقه والدين.
قُل ولا تقُل..
قُل رجال اللعب بالدين ولا تقُل رجال الدين!!
قُل تلك عادتهم وهذا تاريخهم إلا من رَحِم ربى ولا تضحك على نفسك ولا الناس، وتقول بأن مافعله الشيخ فلان الفلانى إستثناء أو غفوة أو سقْطة!!
تاريخ رجال الدين أو من لقبوا أنفسهم بهذا اللقب، عُنوة أو سرقة أو نصبًا، مع التحريم والإيجاز وفقًا للمصلحة، طويل وممتد..
وحان وقت تعريته وكشفه، رغم أنه مفضوح ومكشوف بتصرفاتهم وتناقضاتهم.
كيف تصدمك كلمة داعية عن الحجاب ومحاولة الإلتفاف حول فكرة الإحتشام لتبرير زيجته من فنانة غير مُحجبة، رغم أنه فيما مضى كان صريحًا وواضحًا فى مسألة الحجاب!!
وكيف تندهش من شيخ قال «إن الديمقراطية كُفرْ والإنتخابات حرام ثم عاد وأخبرك بأن المُشاركة واجب شرعي ثم عاد ليُحرِّمها مُجدداً؟»..
كيف تتعجب من داعية حرَّم عليك التعامل مع البنوك، ثم عاد وأخبر الناس أنها حلال لمكسب فى جيبه؟
لا مجال هنا للدهشة ولا الصدمة ولا حتى التعجب!!
تاريخ هؤلاء مع اللعب بالدين طويل، وزاخِر بالرقص على الحِبال، وليّ عُنُق الآيات للوصول إلى النتيجة التى تخدم وجهة نظره أو مصلحة من يتبعه أو من يدفع له أكثر..
فى زمن المماليك كان السلطان أبو المعالى يحكم مصر، إستيقظ من نومه ذات يوم، وقرر أن يستدعى بعض المشايخ ورجال الدين لأمر مهم.
ثار القلق فى مجلس المشايخ بسبب الإستدعاء المفاجئ..
وهبّوا لتلبية دعوة السلطان الذى استقبلهم فى مِزاج عَكِر وأجواء غاضبة..
ثم تحدث وزيره «منجك»، قال للشيوخ «إن السلطان يريد فتوى شرعية تُجيز له الإفطار فى شهر رمضان».
لحظات من الصمت إرتبك فيها المشايخ وتلعثم رجال الدين!!
قال بعضهم لا يوجد حل..
وقال بعضهم الآخر «إن أراد أن يفطر فليفعل دون فتوى شرعية»..
لم تعجب تلك الردود السلطان ولا وزيره..
ثم تقدم واحد من رجال الدين الماهر فى التلاعُب، وقال للسلطان وجدته: يامولاى السلطان الشرع أجاز لمن كان على سفر أن يفطر فى رمضان، لذا فلنعلن فى البلاد أن السلطان سيقوم برحلة إلى سواحل دمياط والإسكندرية ورشيد لتفقُد القلاع والحصون وأحوال الرعية، وبالتالى يصبح الإفطار جائزًا.
من المؤكد أن السلطان نفسه إنبهر بهذا التحايُل الذكي!!
ولكنها صارت سُنّة لا تنقطع فى كل عصر يلمع هذا النموذج لرجال الدين القادرين على التحايُل وتطويع وتأويل الآيات والأحكام والأحداث لخدمة أغراضهم..
الشيخ المُتحايل الذى أفتى للسلطان أبو المعالى بالإفطار فى شهر رمضان هو البذرة التى أنبتت شجرة ثمارها صارت فيما بعد شيوخا تقود جماعة مثل الإخوان تصدر فتاوى تُحرِّم الإقتراض والفوائد البنكية والربوية وتصف الحكومات العربية والإسلامية المُقترضة بأنها حكومات تخالف الشرع..
وحينما حكم الإخوان مصر وطلب مرسى من البرلمان الموافقة على قرض البنك الدولى، قدَّم شيوخ الإخوان عشرات الفتاوى التى تجيز الإقتراض والفوائد الربوية وكأن ما حرَّموه بالأمس ما كان.
نفسهم شيوخ الإخوان ومعهم مشايخ السلف حرَّموا خروج النساء والإختلاط، ووصفوا المرأة التى تعيش بدون حجاب بأنها مُذنبة وفاجرة..
هم الذين قدموا النساء فى المظاهرات بعد 30 يونيو وفرحوا وهللوا للنساء غير المحجبات فوق منصّة رابعة، ووصفوهن بالأخوات الفُضليات الصادِحات بكلمات الحق.
القرضاوى شيخ الإخوان الأكبر يبدو تلميذًا نجيبًا فى مدرسة الشيخ الذى أفتى للسلطان أبو المعالى فى الإفطار فى رمضان..
لأن القرضاوى لم يفتى بشىء إلا وأفتى بعكسه مع مرور الزمن أو تغير السُلطة..
فالقرضاوى الذى يصرخ بفتاوى عدم جواز الخروج على الحاكم أردوغان أو تميم، هو نفسه القرضاوى الذى يحرض الناس على التظاهُر الدموى والعنيف ضد السُلطة فى مصر لمجرد أنه فى خصومة معها..
والقرضاوى الذى أفتى بجواز الجهاد والعمليات الإنتحارية فى سوريا وليبيا لخدمة مُخطط تركيا وقطر، هو نفس القرضاوى الذى حرَّم على الفلسطينيين العمليات الإستشهادية ولم يصدر فتوى واحدة تجيز للمسلمين أو تدعوهم للجهاد فى فلسطين ضد المُحتل الإسرائيلى.
والقرضاوى الذى أفتى بحُرمانية المشاركة فى الإنتخابات الرئاسية الأخيرة فى مصر، هو نفسه الذى أفتى من قبل أن المشاركة فى الإنتخابات والإستفتاءات واجب شرعى على كل مسلم..
بل وإعتبرها الداعية الإخوانى فريضة لا يجوز التخاذل عنها!!
بنفس طريقة عدد آخر من شيوخ الجماعة الذين إعتبروا الدستور شِركًا بالله..
والرضا بالديمقراطية خروجًا من الملَّة..
والأحزاب السياسية نوعًا من الرضا بغير ما أنزل الله..
قبل أن ينقلبوا إلى النقيض تمامًا ويقفوا على منصَّات الجماعة ليعلنوا وجوب المشاركة فى «إنتخابات الإخوان».
المصدر:
مقال «المنتخب القومى للعب بالدين.. كله حسب المصلحة»، المنشور بموقع اليوم السابع.