
استهل الكاتب مقاله بتوضيح الدور الهام لوسائل التواصل الاجتماعي: في تلك الحرب التي تُلهب الأعصاب وتوجع القلوب، ثمة ظواهر «سوشيالية» مُقلقة، سيكون من السهل جداً رصدها وتعيين أثرها السلبي، رغم الإقرار بأن وسائل «التواصل الاجتماعي» أدت دوراً إيجابياً، بدرجة ملحوظة، في فضح بشاعة العدوان الإسرائيلي، وبلورة المواقف الشعبية والفردية المناصرة للفلسطينيين، والمدافعة عن حقهم في الحياة والكرامة.
سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي
ويشير أن بين تلك الظواهر «السوشيالية» السلبية والداعية للقلق ثلاث ظواهر تتبلور باطراد وتتخذ منحى منهجياً؛ أولى تلك الظواهر يمكن أن نسميها «إذكاء التلاسن القُطري»، وتأجيج التراشقات اللفظية بين أبناء الأقطار العربية على خلفية «وطنية وقومية» مزعومة.
ويؤكد الكاتب على أنه ليس صعباً على الإطلاق أن نرصد على حسابات وسائل «التواصل الاجتماعي» المختلفة اتجاهاً لمعارك لفظية بين من يقدم نفسه على أنه ينتمى لدولة عربية ما، وآخرين يقولون إنهم ينتمون إلى دول أخرى، وفي تلك المنازلات يعاير بعض المستخدمين آخرين بمواقف أو هزائم وطنية مفترضة، قبل أن يتسع السجال الممجوج إلى إدانة وتحقير شعب أو دولة من الدول العربية.
إدعاءات الوطنية
ويلفت أنه لا يخلو هذا السجال الممتد أيضاً من ادعاءات بالعظمة أو الوطنية أو النزوع القومي، وهي ادعاءات لا تستكمل أغراضها من دون مقارنتها بمواقف دول أو شعوب أخرى، باعتبار أنها «منحطة» و«بلا كرامة».
ويستنكر الكاتب أن هذه المنازلات لا تخدم القضية الفلسطينية، ولا تحترم معاناة شعب غزة، ولا تزيد قدر من يشعلها أو ما يدعي الدفاع عنه، ولا تفعل أكثر من أنها تقدم خدمات مجانية للجانب الإسرائيلي، وتغرق جمهور «السوشيال ميديا» في صراعات عبثية، ومعارك خاطئة مصطنعة.
محاكم تفتيش على السوشيال ميديا
ويشير إلى أن الظاهرة الثانية فتكمن في تحول قطاع من التفاعلات على «السوشيال ميديا» إلى «محاكم تفتيش»، حيث يصر مستخدمون، وبينهم شخصيات معروفة ولها إسهام في المجال العام، على تفتيش ضمائر آخرين، ووصمهم بـ«الخيانة»، أو «العمالة»، أو «عدم النخوة». والأدهى من ذلك، أن بعض تلك المحاكم لا تتوقف عند ما يفعله البعض أو يقولونه، لكنها تمتد أيضاً لمحاكمتهم على ما لم يُقل أو لم يُفعل، باعتبار أننا جميعاً يجب أن نقول الكلام نفسه، وأن نتبنى المواقف ذاتها، ونمارس الأفعال نفسها، لكي نثبت «وطنيتنا» و«تديننا» و«إخلاصنا للعروبة».
ويضيف الكاتب أن الظاهرة الثالثة فيمكن وصفها بأنها الأكثر براجماتية أو انتهازية للأسف الشديد؛ إذ يبدو أن بعض المشاهير أو الباحثين عن الشهرة وجدوا في هذه الحرب المأساوية فرصة لتعزيز شهرتهم أو صناعة شهرة عز عليهم إدراكها في الأحوال العادية.
كيف استغل البعض الحرب لتحقيق مكاسب مادية؟
ويوضح أنه لا يمكن استبعاد أن البعض للأسف الشديد من مستخدمي الوسائط الرائجة وجد في هذه الحرب فرصة أيضاً لتحقيق مصالح مادية، في ظل زيادة التفاعلات الخاصة بها، وتلهف قطاعات واسعة من المستخدمين على أي محتوى أو مشاهد يمكن أن تخفف وقع الصدمات، وتُشعر المتفاعلين بأن الجرائم العدوانية الإسرائيلية بحق المدنيين والأطفال الفلسطينيين تلقى محاسبة يمكن أن تشفي الصدور.
ويلفت إلى أنه في هذا الصدد، يبدع هؤلاء المستخدمون، سواء كانوا مشاهير أو باحثين عن الشهرة، في اصطناع مواقف بعينها، والإلحاح على أقوال محددة، وترويجها عبر المنصات المختلفة، وكلما كانت تلك المواقف حادة وغير مألوفة ومُمعنة في إبداء التأثر والتأييد، حصدت المزيد من التفاعل وربما الإعجاب.
الشهرة و«التريند»
ويشير مستنكرًا: لذلك، بات بإمكاننا أن نرى شخصاً مشهوراً ومؤثراً يخرج عن نطاق مهمته ومهنته المعروفة وأدائه العمومي المُعتاد، ويلعب دور المحلل الاستراتيجي أو الناقد السياسي أو الناشط المدني أو المناضل الذي لا يهاب، قبل أن يزايد على الآخرين، ويطالبهم بإلحاح بتبني مواقفه أو تأييد أقواله.
ويضيف: لا يحتاج الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتلقى هذا المشهور أو الباحث عن الشهرة مكافأته، وهي المكافأة التي ستظهر في تصدره لقوائم «التريند»، وتكريس شهرته إذا كانت موجودة، أو بناء هذه الشهرة إذا كان مغموراً، وفي الحالات كلها فإن العائد سيكون مجزياً، بصرف النظر عما إذا كان ما فعله أو قاله يخدم القضية الفلسطينية فعلاً أم لا.
السوشيال ميديا… مزايا وعيوب
وفي ختام مقاله يقول الكاتب: لقد منحتنا «السوشيال ميديا» مزايا كبيرة على صُعد عديدة، وفي حرب غزة كانت ساحة استطعنا اللجوء إليها للتعبير عن مواقفنا وآرائنا وتبادل المعلومات والصور التي ترسم صورة هذه المأساة المحزنة، لكن بعض الظواهر السلبية خصمت كثيراً من هذه الفوائد، وفي القلب من تلك الظواهر برزت المشاحنات «الوطنية» المُصطنعة، ومحاكم الضمير، والممارسات الحادة وغير المُسوغة التي يأتيها البعض طلباً للشهرة.