خصوصية المرأة في الخطاب الإلهي
الإسلام دين يقوم على السواء وكل أحكامه تبتغي الحياة المستقيمة للمرء

المتأمل في آيات القرآن (الخطاب الإلهي)، يجده يعطي خصوصية بالغة للمرأة، سواء في الأحكام المقتصرة عليها، أو في توجيهات الشريعة لأطر التعامل بين كلا الجنسين.
في هذا البحث للباحثة رقية كمال الدين، المنشور في موقع (تبيان)، توضح أن هناك خطاب موجه بشكل مباشر للنساء، وهناك خطاب عام لكنه يرتبط بهنّ والذي يأتي غالبًا في صورة خطاب موجه للرجال فيما يخص علاقتهم مع المرأة.
الشريعة تعطي خصوصية بالغة للمرأة
وتؤكد على أنه عند الرغبة في تناول الخطاب من كافة جهاته أن يُبتدئ بالأحكام التي تشمل، انطلاقًا للأحكام التي تخص، لأن الشريعة بمثابة بناء مترابط لا أحكام متناثرة، ولا ينبغي أن نجرد الأوامر من طبيعتها أو أن نأخذ بعضها دون بعض، فإنه إذا كان الخطاب النسوي خطابًا متمركزًا حول المرأة، فإن الخطاب القرآني عن المرأة يسهم في تقوية الكل، لا انفصال الجزء. وكثيرًا ما ينبني على سياق التعامل بين الجنسين أحكامًا خاصة بجنس واحد، وهو ما دعا إلى المرور على أحكام المرأة التي صاغها الله عز وجل في القرآن كخطاب للرجل قبل تأمل الأوامر الموجهة لها بشكل مباشر.
وتشير الباحثة إلى أن القوامة تعد من الأحكام المؤثرة حتمًا على طبيعة حياة المرأة، ويأتي في الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمً.
الإسلام دين للمساواة
وتلفت إلى أن الإسلام دين يقوم على السواءِ، وكل أحكامه تبتغي الحياة المستقيمة للمرء، وحسن استعماله للاستخلاف في الأرض، ولذلك فإن آية القوامة جاءت في سبيل ترسيخ مبادئ الحياة الزوجية -وإن كانت تشريعًا عامًا-، ففي بقيتها: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، فالأصل أن تكون المرأة صالحة قانتة، وأن يستحقّ الرجل قوامته باتباع أوامر الله.
وتستنكر وجود ذكور في زماننا كثر يتشدقون بالقوامة وليس لهم من الدين شيءٍ، ومن نساءٍ يتسلطن على أوليائهن الذين يتعهدهن بالعناية والرعاية والمودة والرحمة، ثم يتسلطن عليهم بحجة الحرية وتحقيق الذات! ولا يتعارض أبدًا مبدأ القوامة مع الحرية، غير أنه طالما رضي المرء بالاستناد إلى شريعةٍ، وآمن بإله واحد أحد، فحريته هنا مقيدة -إذا اتبعنا التفسير السائد للحرية- فكلنا رجالًا ونساءً، عباد لله تحت مظلة الإسلام.
معنى القوامة في الخطاب الإلهي
وتوضح الباحثة أنه لا يترتب على القوامة زيادة في مكانة الرجل في الإسلام، أو كونه مفضلًا عن المرأة في الثواب، إنما هي نموذج عيش مشترك يرجو نفس الغاية في الآخرة، ففي سورة الأحزاب آية 35 جاء الخطاب يشمل كلا الصيغتين، المذكر والمؤنث، رغم أنه من خصائص معظم آيات القرآن استخدام صيغة عموم تشمل كلا الجنسين: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، وفي سورة التوبة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (71)، وفي سورة النحل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97).
أحكام المرأة خطاب موجه للرجل
وتؤكد أن معظم أحكام المرأة التي ارتبطت بأمور الدنيا جاءت في شكل خطابٍ موجه للرجل، مثل آية التعدد وآية الصداق وآيات الميراث وحتى آيات الحدود، وأحكام الطلاق، أما ما ارتبط بأمور الآخرة فإنه -في الغالب- جاء كخطاب مباشر للمرأة، أو كتبليغ من الرسول إليهن، وفي هذا -ربما- تقوية لمعنى قوامة الرجل لأنه المعني بإدارة شؤون الدنيا، ليس ذلك وفقط، بل فيه ضوابط واضحة لأسس قوامته، فعليه أن يتبع هذه الأسس فيكون مستحقًا للقوامة وتظل هي مكلفةً بالسعي، ومشمولة في الاستخلاف في الأرض الذي لم يفرق بين ذكرٍ وأنثى..