الخطاب الإلهى

الانقلاب على الكتاب (4-4)

لقدْ حذَّر اللهُ المسلمينَ الَّذِين تفرّقوا أحزابا وشيعًا وفرقًا مختلفةً واتبعوا أولياءً مِنْ دون الله

المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي
Latest posts by المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي (see all)

فى حين أن الفرق الإرهابية والمدارس الفقهية أغلبهم يكفرونَ مَن لا يلتحقُ بهم ولا يتبع عقائدهم، يستبيحونَ دِماءَ الأبرياءِ وكثيـرٌ آمنَ بأفكار تِلكَ الفِرقِ الضالةِ وتحوّلوا إلى أداةٍ شريرةٍ استغلّها المستعمرون والحاقدونَ على الدّين الإسلامي، والطامِعون في ثرواتِ بلادِ الـمسلمينَ وما وهَبَهم الله من نِعَم ليشغلوهم في صراع وقتال على أمور لا تتعلق بحكم الخلق، بينما أمور العقيدة والعبادات في حكم الخالق سبحانه.

ولكلّ الفِرقِ مِما سَبَقَ ذكرهُ، قياداتٌ سياسيةٌ، ابتدعتْ أفكارا ومذاهبَ باسم الإسلام، وأوهموا تابعيهم بالأملِ في جَنّاتٍ وحورِ عِين، وغرزُوا في عقولهِم بأنَّهم هُمُ القدوةُ للإسلام، وأنّهم هُمْ وحَدَهم المصلحونَ. ولذا فَهُم المكلفونَ مِنَ المولى عزَّ وجلَّ بتطبيقِ شرعِ الله، كما فَهموُه وضلّلوا تابعيهم، بأنّهم يسيرونَ على الطريقِ المستقيم وكل منهم يدّعي بأنّه يمتلكُ الحقيقةَ المطلقةَ، وكل منهم نَصّبَ نفسَه حاميًا للدينِ الإسلامي، فتفرّقتْ بِهم السُّبلُ وأصبَح كلُّ حزبٍ بما لديْهِمْ فَرِحون، بأفكار تستهدفُ النيلَ مِنَ الدينِ الإسلاميّ وتَخِلقُ حالةً دائمةً مِنَ الاقتتالِ بينَ المسلمينَ عندَما تحّولوا إلى أدواتِ شريرةٍ استغلّها المستعمرون وأعداء الإسلام ليسخّروهم في خدمةِ مصالحِهِم الدنيئةِ ويؤلّبوهم على بعضهم ويغرونهم بالمال والسلاح وينقلون لهم الأخبار المفبركة لتزداد النفوس احتقانًا، فيغيب العقلُ والحكمةُ لتتسارع وتيرة الالتحام ويتقاتل الأخوةُ ويحقّق العدو مآربه لاستعمارهم وسرقة ثرواتهم. يُساقون كما تُساق الأنعام.

وينبّه اللهُ سُبحانَهُ رسولَهُ بقولهِ تَعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام 195).

ولذلك فاللهُ فرّق بين رسولهِ وبينَ الفِرَق المختلفةِ، والطوائفِ الدينّيةِ المتناحرةِ، فالرسولُ ليسَ مِنْهم في شيءٍ، بمقتضى مُرادِ اللهِ في هذه الآية، وأنّ ما يرفعونه من شعاراتٍ وأعلام كُتِبَ عليها (لا إله إلا اللهّ محمدُ رسولُ الله)، لن تغنيَ عنهمْ شيئًا يومَ القيامةِ، فَقَدْ حَكَم اللهُ عليهم بأنّهم لم يتّبعوا رسالةَ الإسلام، وابتعدوا عن منهجيةِ القرآن الكريمِ ويصفُهم اللهُّ تعَالىَ بقولهِ (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِۚ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِۚ ألَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

ومما سبق يتبين للمسلمين أن الأحداث الكارثية والاقتتال فيما بينهم في الماضي والذي استمر أكثر من أربعة عشر قرنًا حتى يومنا هذا، نتيجة منطقية عندما انقلبوا على كتاب الله واتخذوا الروايات بدلا من الآيات فأدى ذلك إلى تَشرذمَ المسلمينَ وتفرقهم في الماضي أدى إلى نشوءِ تشرذمٍ جديدٍ في عصرنِا الحاضرِ أنتج فِرقا مستحدثة عُرِفَ منها الجماعاتُ التكفيرّيةُ كالقاعدة وداعش والنصرة، كذلك الإخوان المسلمونَ والسلفيةُ الجهادية وغيرُهم ممّا راجتْ بأسمائِهم القنواتُ الإخباريةُ، وشبكاتُ التواصلِ الاجتماعي، وكلّهم يكفّرونَ ويحاربونَ مَنْ لا يلتحقُ بِهم، وهم يستبيحونَ دماءَ الأبرياءِ، والجامعُ بيـنَ الفِرقِ والمِلَلِ كلّها أنّهم يدّعونَ انتماءَهم للإسلام لكنّهم يرفضونَ الالتزامَ بكتابِ اللهِ وشريعتهِ السمحاءَ، ويعتبرونَ أنفسَهم الفرقةَ الناجيةَ، وأنّهم حُماةُ الإسلام ودعاتُه أخذتهم العزة بالإثم بما أصابهم من غرور واستعلاء وكثيرٌ مِمن آمن بتلك الأفكار الهدامة تحلّل القتلَ وتستبيح الحرمات، تسعى للتخريب والتدمير تحوّلوا إلى أدواتٍ شريرة استغلّها المستعمرونَ الغزاةُ أمثالُ بني إسرائيل وغيرِهم ممّن يضمرونَ العداوةَ والبغضاءَ للعرب، فوظّفوهم في خدمةِ مآربهِم لإِشغالِ المسلمينَ بقتال بعضهم بعضًا، لهدْمِ الأوطانِ وتهديدِ أمنِ وسلامةِ الشعوبِ العربيّة، تحقيقًا لأمْن إسرائيلَ وللحفاظِ على مصالحِهمِ البتروليةِ في الوطنِ العربي، وتحقيقًا لتأسيس دولة إسرائيل الممتدة من الفرات إلى النيل، اجتمعت حولها كل قوى الشر من الدول الاستعمارية السابقة.

لقدْ حذَّر اللهُ المسلمينَ الَّذِين تفرّقوا أحزابا وشيعًا وفرقًا مختلفةً يحملونَ مسميّاتٍ متعددةً واتبعوا أولياءً مِنْ دون الله، بأنَّ رسولَ اللهِ بريءُ منْهم، فَقد خَالفوا أمرَ الله في الاعتصام بِحبلِ اللهِ وعصوا أمره كما جاء في القرآن الَكريم فلمْ يتّبعوا كتابَ اَللهِ وماأَمرهم بهِ بقولهِ تَعالى ﴿اتبعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ﴾ (سورة الأعراف آية 3).

فلنْ تُغنيَ عنهم شعاراتُهم وأعلامُهم السّوداءُ وشعار الشهادتين، علمًا بأنّ كلّ إنسان اتخذ الإسلام دينًا وارتضى الانتماء إليه وقال لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، فقد التزم بعهد وعقد بينه وبين الله بأن يتبع قرآنه ويؤدي الأمانة في القيام بكل الشعائر الدينية والالتزام بكل ما حرم الله والتقيد بقيم القرآن النبيلة والأخلاق الكريمة في التعامل بينه وبين الناس، التي نصَّ عليها كتاب الله الكريم وبلّغهم رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلمهم شروط العبادات وحكمتها، وطرقَ تأديتها وعندما اتبعوا روايات المجوس وبني إسرائيل خانوا الله ورسوله، وخانوا عهد الله وانحرفوا عن الطريق المستقيم ولم ينصاعوا لأمر الله في قوله سبحانه (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا) (طه 124). فغضب الله عليهم وأعدَّ لهم عذابًا عظيمًا، والله يصفهم بقوله تعالى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿11﴾ ألَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُون وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة 11 ـــ 12)، ثمّ يدوسونَ بأرجلهم التشريعات الإلهيةِ، ويقتلونَ النفسَ التي حرّم الله، ويرتكبونَ الجرائمَ والآثام، ويحاربونَ اللهَ ورسولَهُ ولم يتقيدوا بأوامره، التي تأمرُ بالرحمةِ والتعاونِ والتّقوى والمحبةِ والسّلام، حين ابتعدوا عن مَنْهَج القرآنِ الكريمِ واتبعوا الشيطانَ فخسروا الدنيا والآخرة وحَكَمَ اللَهُ عليهم بقوَلهِ سبحانَه (وَالَّذينَ يَنقَضونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأرضۙ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سوءُ الدّارِ) (الرعد 25).

 

المصدر:

«المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «دار النخبة للطبع والنشر والتوزيع»، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى