هكذا يَخرُج العرب من «مأزقهم التاريخي»
خطة متكاملة لإنهاء حالة التيه التي يعيشها المسلمون منذ وفاة الرسول

استعرضنا في مقالات سابقة، المأساة التي يعيشها المسلمون منذ أكثر من 14 قرنًا من الزمان، شهدت خلالها سفك دماء المسلمين خاصة العرب منهم، نتيجة الابتعاد عن الخطاب الإلهي، والاستعانة بالخطاب الديني المشوه، الذي أسفر عن فكر إرهابي ومتطرف، يدعو كل طرف إلى قتل الطرف الآخر بزعم أنه كافر وخارج عن الدين القويم.
الآن حان الوقت لنتساءل: هل من الممكن أن نصل لحل آمن وعملي وفعّال أو خارطة طريق واضحة المعالم، للخروج من «المأزق التاريخي» الذي نعيشه منذ وفاة الرسول الكريم عليه الصلوات وأتم التسليم؟!
في الحقيقة فإن المفكر العربي الكبير، علي محمد الشرفاء الحمادي، لم يكتف بالحديث عن المأزق التاريخي والأزمة الكبرى التي تعيشها الأمة الإسلامية، ولا حتى بطرح حل واحد لتلك المأساة، بل إنه في كتابه القيم «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، والصادر عن «مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير»، قد وضع خطة متكاملة، لإنهاء حالة التيه التي يعيشها المسلمون، بسبب الروايات المنسوبة ظلمًا وعدوانًا، للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وهي بالفعل خطة تستحق الدراسة والتنفيذ.
حيث يستعرض الكاتب الإماراتي، علي الحمادي، في كتاب «المسلمون.. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»، ملامح وتفاصيل خطة الخروج من المأزق التاريخي والأزمة الكبرى التي تعيشها الأمة الإسلامية، فيقول: «وحتى لا يستمر توظيف الروايات المزوّرة، وما تتلوه الشياطين من أساطير مدبَّرة من أجل التغرير بالناس وخداعهم ليبتعدوا عن رسالة الإسلام والمنهجِ الإلهي الذي حمله رسول الله عليه الصلاة والسلام ليبلّغه للناس لتحرير عقولهم وتطهير نفوسهم والارتقاء بهم لتكون علاقتهم مع الله مباشرة دون وسيط من بني البشر، ليحميهم من استغلالهم في تحقيق أهداف دنيوية لصالح المدعين بدعاة الإسلام وشيوخِهِ وعلمائه، وحتى لا يُفاجَأَ الناس يوم الحساب ويكتشفوا ــ بعد فوات الأوان ــ بأنه لا رصيد لهم من الحسنات عند الله يحميهم من العذاب، كما قال سبحانه وتعالى:
(فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون).. (الأنعام: 44).
ومن أجلِ ذلك وحماية لمجتمعاتنا من الإرهاب وقتلِ الأبرياء ووأد الفتن وإيقاف الصراع المستمر منذ أربعة عشر قرنًا ووقف نزيف الدم وسرقة ثروات الوطن العربي من خلال مشتريات السلاح التي تستنزف ميزانية الدول العربية.
فبدلًا من أن توظَّفَ المليارات في تنمية المجتمعات العربية تكون نهبًا للصوص، كشركات تصنيع السلاح وسماسرته، يدفعوننا لنتقاتل به، تاركين أعداء العروبة والإسلام يستمتعون بدمائنا تسيل، وثرواتنا تنهب.
فلا سبيل إلى الخروج من المأزق التاريخي والموروث الفكري الذي أسّس المكوّن الثقافي للإرهاب وأدّى كذلك إلى تخلّف العرب، فبدلًا من أن يتبعوا كتاب الله في الارتقاء بالعقل، حيث جعل الله التدبر والتفكر في كتابه فريضةً إلهية، وما يدعو إليه المسلمون في اتباع المنهج الإلهي في البحث العلمي بتعمير الأرض والتمسك بالأخلاق والفضائل والتقيد بتشريعاته التي أنزلها اللهُ على رسوله في كتاب مبين ليضَعَ أمامَهم خارطةَ طريق تكون نبراسًا للناس يحيون فيها حياة طيبة يسودُها الرخاء والعدل والأمن والرحمة والسلام.
لذا فَعَلى القيادات الثقافية والدينية أن تسعى بكل السبل لتسليط الضوءِ على الخطابِ الإلهي واستنباطِ كلِ ما له علاقة في تأسيسِ ثقافةٍ دينيةٍ واعية مدركة لمقاصد الخطاب الإلهي للناس وما فيها من خير وصلاح لكي يعود المسلمون إلى القرآن الكريمِ ليصبح مرجعًا وحيدًا للعباداتِ والقيمِ النبيلةِ والفضائل، لإحياءِ الضميرِ الإنسانيِ لتتكوَّنَ عندَ الإنسان مناعة طبيعية من كلِ ما حرّمَهُ اللهُ واتباعِ كل ما أمَرَ بِهِ من خُـلقٍ عظيمٍ لتطهير النفس من كل النقائص وتزكيتها بالصدقة والرحمة والإحسان، وهو السبيلُ الوحيدُ للخروجِ من ظلامِ الرواياتِ ليكونَ القرآن للمسلمينَ نورًا وهاديًا ليبدّدَ الظلامَ ويسطعَ نورُهُ في القلوبِ، فتنشرح بهِ الصدورَ، وتتطهرَ بِهِ القلوبُ، وترتقي بِهِ النفوسُ، ويتواصلَ الناسُ بالرحمةِ، ويختفيَ بِهِ خطابُ الكراهيةِ ليحلَ محلَّه خطابُ المحبةِ والسلامِ من كلِ البشرِ، حينَها ينزّلُ اللهُ عليهم رحمتَهُ وبركاتِهِ، حيثُ وعدَهم اللهُ بقولِهِ:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رِبّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ).. (محمدَ: 2)
وقوله تعالى:
﴿وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.. (فُصلت: 33)
وأن يَهدي كلَّ المخلصين لدينهم وقيمه النبيلة والمتجردين من هوى النفوس وإغوائها من المثقفينَ والمفكّرينَ وعلماءِ المسلمينَ إلى ما أمرَ اللهُ بها باتّباعِ قرآنِهِ الكريم، إيمانًا وقولًا وعملًا وتشريعًا.