
الخِطاب الديني هو أحد أسباب تفْريق الأُمة الإسلامية، لأنَّه يَعتمِد دائماً على مَرجِعية الجماعة التي تتبنى خِطاباً دينياً مُعيناً يَستخدِم الدين لخدمة أهداف الجماعة.
ويتَبايَن الخِطاب الديني بتبايُن واختلاف الفِرق والجماعات، حيث أنَّ لكلِ جماعة أيدولوجيّة تسعَى لتَحْقيقها، وكلّ خِطابٍ يَعتَمِد على مرجِعية تَخْتَص به وتَختَلِف مضَامينُه وأهدافه عن الخِطاب الآخر.
و نَتَج عن هذه الجماعات المُتناحِرة أشكالاً مُتعدِدةً من الخِطاب الديني الذي يدعو إلى تَكْفير الجماعة الأُخرى، وإسْتباحة أموال وأعراض أتباعها، وهذا ما أكدّه المُفكر العربي (علي محمد الشرفاء الحمادي).
حيثُ يقول في كِتابه «المسلمون بين الخِطاب الديني والخِطاب الإلهي» الصادِر عن مؤسسة «رسالة السلام للتنوير والأبحاث»، إنَّه على ساحة الدعوة الإسلامية خِطابات دينية مُتعددة ومُتناقِضة، وكلٌ منها إختَزَل الإسلام في دَعوَته لمُعتقداتٍ ذات توجُهاتٍ مُغايرةٍ للأُخرى.
وذَكَر أنَّه في المُقابل نَجِد الخِطاب الإلهي خِطابًا واحِدًا مُحدَّد المَضْمون مُتسِق المعاني راقيًا في الحِوار يستنِد للمَنْطِق والعَقْل، ليتَفِق مع الفَهْم المُخاطَب وهو عَقْل الإنسان.
كما أنَّ الخِطاب الإلهي ذو مَرجِعية واحِدة مِنْ خالِق الناس لكلِ الناس، يدعو للرَحمة والمَحبة والتعاون والمُساواة والعَدْل بين جميع البَشَر.
الخِطاب الديني أنتجَ مُتطرِّفين إستباحوا القِيَم الإسلامية
وأوضَحَ المُفكر العربى (علي محمد الشرفاء الحمادى) أنَّ الخِطاب الديني إعتمد على مَرجِعياتٍ مُختلِفةٍ ومَناهِج مُتعددةٍ مُتناقِضةٍ مع الخِطابِ الإلهي، واختلفتْ في أسانيدِها وارتبطتْ مَفاهيمُ أصحابها بالظروفِ السياسيةِ والإجتماعيةِ.
وذَكَر أنَّه بذلك أصبحَ التشريعُ الإسلامي، مَصدرَ خِلافٍ وإختِلاف، نشأتْ بسببهِ نِزاعاتٌ، إستمرتْ مِئاتَ السّنين، وأفرَزَت منها في العالمِ الإسلامي طوائف عديدة وفِرقًا كثيرة مُتصارِعة مُتقاتِلة، وعَشَرات المذاهِب الدينية لكلِ مذهَب دُعاته وأئمته.
وأشار إلى أنَّ تلك المذاهِب سبَبَت دوامة فِكرية بينَ المسلمين وحِيرَة مُتردِّدة في إختيار أيّ مذهَب الذي يتحقق به سلامة إقامة الشعائر العِبادية ومِصْداقية الأحكام التي يتَبناها، وأيُها يتوافَق مع المنْهَج الإلهي.
وأكدَّ أنَّ هذا الخِطاب أدَّى إلى صِراعٍ مذهَبيٍّ كارِثيٍّ، فكلُّ طائفةٍ تعصّبت لمذهَب مُعيّن وتَفَرّق المسلمونَ، حيثُ اتّبعتْ كلُّ طائفةٍ إمامًا ومُعلمًا ومُرشدًا، وأصبَح كلُّ فريقٍ يَعتزُّ بإمامِه ويُعلي من شأنِهِ ويُقدِّسُ آراءَهُ وفتاواه ولا يَرضى بغيرهِ إمامًا.
الخِطاب الديني أجَّج الخِلاف والصِراع بين المسلمين
وأكَّد َالمُفكر العربي (علي محمد الشرفاء الحمادى) أنَّ الخِطاب الديني إعتمد على أقوال وروايات كاذبة لتأجيج الخِلاف والصِراع بين المسلمين.
وأوضح أنَّ المرجِعياتُ الطائفية المُختلِفة أفرَزَت طوائف سياسية مُتعددة، وتعصُبًا أعمَى أنتجَ مُتطرِفين إندفعوا دونَ وعيٍ أو ضميرٍ لإستباحةِ كلِّ القيمِ الإسلاميّةِ.
و أنَّ هؤلاء نصَّبوا أنفُسَهم أوصياء على الناسِ، فإذا بهم يُحاسِبُونَهم على عقائِدهم ويتهِمونَهم بالكُفْر ويَحكُمون عليهم بإقامَة حَد الرِدَة بالقَتْلِ.
مُؤضِحاً أنَّه لا يُوجَد في التشريع الإلهي في القرآن الكريم ما يُسمى زورًا وبُهتانًا (حَد الرِدة) الذي أُخْتُلِقَ، لتَوظيفِه سِياسِيًّا للإنتِقام من أصحاب الفِكْر المُخالِف لأُطرُوحاتِهم الدينية على كلِ مَنْ لا يتَّّبِع مَنهَجَهم وما يَدعون إليه من ثقافة مُتطرِفَة وسُلوكيات هَمَجيَّة غارِقة في الجَهْل والتّخلُف والتّعصُب الأعمى.
وذَكَر أنَّ الذي أدّى لظهورِ تلكَ الفِرقِ المتناحرةِ، هو أنَّ قُوى الشرِّ إستطاعتْ التَغَلغُل في الفِكْرِ الإسلامي، بآلافِ المُفَسِرينَ ورُواةِ الحديثِ ومُصطلحاتٍ مُتناقِضةٍ تبنَتَها كلُّ فِرقة.
مُؤكداً أنَّ هذا الخِطاب أدَّى إلى تَشتيتْ الأُمةُ الإسلاميّة حينما أصبَحَ لكلِ فِرقة منهم مَنهَج مُستَقِل يتَعارَضُ مع الفِرقةِ الأُخرى، تستَهدِف عَزْلَ القرآن وما جاء به مِنْ قِيَم الحُرية والعَدْل والمُساواة والسلام عن إتخاذِه مَرجِعًا للتَشْريع في المجتمع الإسلامي، يُحقِق للناس الخَير والصلاح ويَزيح عنْ كاهِلِهم المُستَبدين والظالِمين.
مُضيفاً أنَّ ذلك يُهدِّد إمتيازات المُتَسلِطين على المُجتمعات الإنسانية والمُتسَلِقين للسُلْطَة الدُنيَوية الذين يَحْتكِرون الثروة ويَستَمتِعون بالجاه ويَحْرِمون الفُقراء من أبسَط حُقوقِهم الإنسانية.
مُوضِحاً أنَّ هؤلاء يحتَكِرون العُلوم الدينية لناس مُحدّدين دونَ غَيرهِم لتتَحَقق لهُم سُلْطَة دينية تَمنَحُهم السّمْع والطاعة عِندَ أتباعِهم ليوَظَفوهُم في خِدمَة مَصالِحِهم الدُنيوية.